نجحت الحكومة وانتكس النواب
د. عدنان سعد الزعبي
04-01-2018 10:05 AM
دعوني أقف تكريما واحترام للحكومة على أسلوبها ورقيها في التعامل مع موضوع الموازنة، وتقديمها بتفاصيل وأدوات لم تبخل بها لا على النواب ولا على المواطنين. فوضوح رئيسها في الطرح، والمنطقية التي انتهجها في فلسفة تفسير الإحصاءات والأرقام والأسباب وبالتالي الظروف، نجحت إلى حد كبير بمرور الموازنة من بين أيدي مجلس النواب دون أن تشهد حفلات الكلام الذي تعودناه على مدار الثلاثين عاما الماضية، والمد والجزر ومذكرات الاعتراض وتلاشيها لنجد أنفسنا اليوم مع عصر السرعة الذي اقتضى مرور الموازنة بس ساعات بدل ستة ايام. نحت الحكومة بالربط الدقيق ما بين مصلحة الوطن ومصلحة المواطن على اعتبار أن مستقبل الوطن هو مستقبل المواطن، وأن التعامل مع أخطاء الماضي ومعالجتها أفضل للوطن والمواطن من ترحيلها ثم ترحيلها كما فعلت الحكومات الماضية .
الحكومة لا تلام ونحن نرى بأنها قامت بما يجب أن تقوم به من إجراءات ووضوح وشفافية، وقدمت موازنة ترى هي بأنها الأصوب لمسيرة الاقتصاد الأردني والظروف الاصعب التي تمر بها البلاد. والتي وضعتها أمام خيارين لا ثالث لها ، البقاء أو التدهور!؟ فالحكومة تعترف ،بانها إجراءات قاسية ومؤلمة وأنها راعت قدر الإمكان الطبقات الفقيرة ونحن مجبرون عليها. فإذا كان هناك نقاط سوداء أو حمراء فمرده النواب ، وليس الحكومة التي استلمت من النواب الموازنة ب96% مما قدمته للمجلس. اليس ممثلي الشعب هم فلتر المطابخ السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وهو المحامي المدافع الحريص على حقوق المواطنين ، فهل هذا تم ؟
المنطق يعطي الحق للحكومة أن تتقدم بمشاريع قوانين اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية بالطريقة والأسلوب الذي ترى فيه منطقها وفلسفتها وأهدافها ، ومن حق النواب أصحاب القرار الأخير أن يقرروا ما يشاءون ويردوا الحكومة عن ما لا يريدون ، فالقضية أولا وأخير بيد النواب وليس غيرهم . وحقنا على الحكومة الوضوح والشفافية في طرح ما تريد وأن تضع بين أيدينا كشعب وكنواب وإعلام حقائق الأمور دون تحايل أو تحريف أو تغيير ، كما يحق لنا عليها أن نفهم وندرك ما هو توجهها وقراراها وأهدافها وآلية تطبيق ذلك ، والتشاور المستمر مع مجلس النواب ، وهذا فعلا ما تم وما حصل ، حيث لم تخفي الحكومة معلومة ، بل على العكس كشفت العيوب السابقة التي ارتكبتها الحكومات السابقة والخروجات على الموازنة وسياسات الترحيل التي تراكمت على الموازنة وأصبح من العبء، بل والصعب جدا التعامل معها والخروج من المأزق بدون جراحات وكي مؤلم في خاصرة المواطنين خاصة بعد أ، هددنا الآن بقطع المساعدات ولا بد/، أن نتهيأ لذلك ؟!.
الحكومة لم نخفي على المواطنين ولا على النواب أي تفصيلات في مشروع الموازنة ، بل شرحت للنواب وخاصة في اللجنة المالية والاقتصادية طبيعة الموازنة ، والظروف المستجدة ، والتراكمات السابقة وتحدياتها ، وبنفس الوقت طرحت الحلول المطلوبة ، وأطنبت شفافية عندما وصفت الواقع الاقتصادي بأنه الأصعب ضمن ظروف الحصار والتهديد وعلى لسان رئيس الحكومة وأعضاء الفريق الوزاري كل باختصاصه . وهذا عمل منطقي شفاف وواضح ، لا لبس فيه، ولا نستطيع بحكم المنطق والإدارة الحكيمة أن نقول عنه غير الحصافة بغض النظر عن مدى موافقتنا أو رفضنا للمضمون أو قبولنا فيه ، فكلنا سنتأثر ولكن بنسب ،فالحكومة شرحت الواقع ، وفسرته وبينت اسبابه ، وطرحت الحلول ، وهذا هو دورها دون زيادة ولا نقصان .
المنطق الصريح وفي إطار أداء السلطات وصلاحياتها ، فإن المسؤولية الأكبر تقع على النواب خاصة في التعامل مع ما طرحته الحكومة في الموازنة خاصة وأن النواب قادرون وحسب صلاحياتهم الدستورية والتي أكدها الملك مرارا وتكرارا - من أن بقاء الحكومات مرهون برضاء النواب ، وأن بقاء النواب مرهون برضاء الشعب .وأن العلاقة قائمة على التشاركية المطلقة وفق استقلالية تمكن الجميع من ممارسة دوره- قادرون على الرفض أو التعديل. غير أن مثل هذه المعادلات لم يتمكن الكثير من النواب من استيعابها واستمروا بمنهجية الضعف رغم حاجة الحكومة لمواقف وتدخلات وإضافات إيجابية من النواب ، تصوب الأخطاء ، وتردع التهور، وتحد من التجني على المواطن .
علمني الصيد ولا تعطيني سمكة هي حكمتنا التي لا بد وأن نستغلها لننطلق ، ولدينا أجنحة يمكن بها أن نتعلم الطيران ، ولدينا إرادة يمكن فيها أن نرسخ العطاء والتصميم ، ولدينا الولاء والعزيمة والوفاء للأمة ، الذي هو القاعدة نحو الانطلاق. ، فخروجنا من نفق الظلمة لن يأتي إلا بالصبر والمثابرة والتصميم، خاصة وأن مصير الحصار سينتهي لأن مصالح الأخرين عندنا كبيرة وعظيمة ، وما علينا إلا أن نستمر بموقف النشامى الذي لا يقبل المساومة على مواقف العروبة الصادقة وحرصه على مصلحة الشعوب العربية ، فنور الاردن يتوهج أكثر كلما حان وقت الجد والامتحان ، والشواهد أمامنا متعددة.
غير أن الالم في ممثلي الشعب الذين وجدناهم اشد فتكا بالشعب من موازنة الحكومة ، وما أدل من ذلك إلا هذا التجاهل لمصالح الناس ومطالبهم . فالناس تعرف أن الأمر لا بد وأن يمضي كخيار أخير لكن المشكلة أن المواطن أراد قشة يتعلق بها وأن يسمع أن الجميع يدافع عنه وحريص على مصلحته وأنه ليس في مهب الريح. نعم إن القصة بدأت بالنواب وانتهت بالنواب، دون أن يترجموا ويثبتوا لأنفسهم وللناس أنهم نواب الأمة.