التربية الإعلامية ضرورة !
سليمان الطعاني
03-01-2018 03:24 PM
في ظل النسبة المتزايدة للاستهلاك الإعلامي الذي نعيشه، ونمو صناعة الإعلام وأهمية المعلومات وتدفقها على مدار الساعة من كل الجهات، لم يعد للخصوصية مكان ... في عالم المعلومات المفتوح، لا الجهات الرسمية تستطيع التحكم بتدفق الاعلام، ولا الكبار يمكنهم توجيهها زماناً أو مكاناً، كمّاً أو كيفاً للأطفال أو اليافعين. وباتت الشفافية هي ما يميز عالم اليوم، شفافية ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية.
كيف يمكن التعامل مع هذا الواقع الجديد ونحن نرى حتى الأطفال يحملون العالم بكل ما فيه من ثقافات في هواتفهم المحمولة؟
لا شك أن الإعلام بات يبني واقعاً، وهو المسؤول عن أغلب الخبرات التي على أساسها نقوم ببناء فهمنا الشخصي للعالم، وهو الذي يعطينا على نحو كبير إحساسنا بالواقع، والكثير من وجهات نظرنا مبنية على أساس الرسائل الإعلامية التي تم بناؤها مسبقاً وتحمل اتجاهات ووجهات نظر قررت مسبقاً، كل يوم تقع عيوننا على مئات الرسائل الإعلامية ..منها الجيد ومنها الرديء ومنها الغثّ ومنها السمين وباتت هذه الرسائل بفعل التقنيات الحديثة اليوم تقلب الحق باطلا، والباطل حقاً، وأن تظهر المظلومَ في صورة وحش كاسر، والظالم في صورة الحمل الوديع، ونسبتْ إلى أفراد وجماعات ودول ما لا حقيقة له.
في ظل ذلك كله وتدخلات الاعلام في بناء وجهات النظر المختلفة عند العامة، تأتي التربية الإعلامية لتكون جزءًا من الثقافة اليومية للفرد وضرورة ملحة لإعداده للحياة في عالم يتميز بقوة الرسائل المصورة والمكتوبة والمسموعة وتمكينه ليكون ناقدًا يتحكم بتفسير ما يشاهده أو يسمعه، وليكون نموذجا ناجحاً للمتلقي النشط Critical Autonomy .
المدخل الحديث للتربية الإعلامية في تعاملها مع الرسائل الإعلامية هو: أن التناول الناقد للمادة الإعلامية يؤدي الى انتاج مواطن ناقد، وأن تعليم المتلقي التقنيات التي يستخدمها الإعلام لتوصيل رسالته يعني وعي المتلقي بهذه الوسائل وتشكيل الحساسية الناقدة تجاه الرسائل التي يطرحها. وهذا المدخل يعني بالمجمل فهم الجمهور لآلية عمل الإعلام والكيفية التي يؤثر بها على حياتنا.
أن أهمية التربية الإعلامية تكمن في تيسير وصول الأفراد إلى المهارات والخبرات التي يحتاجونها لفهم الكيفية التي يشكل الإعلام فيها إدراكهم وتهيئتهم للمشاركة كصانعي إعلام ومشاركين في مجتمعات افتراضية ضمن أخلاقيات المجتمع وضوابط حرية الكلمة.
تربية اعلامية تشجع على تنشئة المواطنة المسؤولة، والعمل الجماعي، والحياة الواقعية، تربية إعلامية تتّسق مع مهارات التفكير العليا وتنميها، وتمكن الفرد من أن يصبح مستهلكاً حكيماً للرسائل الإعلامية من خلال زيادة قدراته على الاتصال والتعبير، وتمكينه من التعامل مع ثقافة مشبعة بالرسائل الإعلامية. في وقت أصبحت في وسائل الاعلام هي الموجه الأكبر والسلطة المؤثرة على القيم والمعتقدات والتوجهات والممارسات في مختلف جوانب الحياة.
التربية الإعلامية باتت جزء من حقوق المواطن الأساسية في ظل هذه الظروف التي اختلط فيها الحابل بالنابل كما ان ادراجها ضمن المناهج الدراسية في المدارس والجامعات بات أيضا ضرورة ملحة كمشروع دفاعي يهدف الى حماية النشء من التضليل والسلبية والنمطية وتمكينه من حرية الانتقاء والاختيار والنقد، مشروع تمكيني يهدف الى اعداد الافراد لفهم الثقافة الإعلامية التي تحيط بهم وتمكينهم من حسن الاختيار والانتقاء منها وتعلم كيفية التعامل معها والمشاركة فيها بصورة فاعلة، فعالم اليوم عالم معقد ولا نملك الا التغيير الذي يفرضه عصر المعلومات وتعليم النشء كيف يعيشون ويفهمون ويحللون الأحداث المحيطة بهم غير جهلة ومستهلكين وغير ناقدين يسهل السيطرة عليهم بتقديم حجج واهية لا يمتلكون الآليات المناسبة لنقدها كما يسهل السيطرة عليهم من قبل آخرين او اتجاهات عبر كل الأشكال المتاحة للاتصالات في هذا العصر.