عَمّان الجميلة .. فيك أكون
د. ايهاب عمرو
02-01-2018 06:55 PM
لا أعرف لماذا يا عَمّان أحبك، أو ربما كنت أعرف دون أن أبحث في أسباب هذا الحب الفطري. وحتى بعد أن غادرتك لإكمال الدراسة الجامعية قبل عقدين من الزمن لا زلت أحبك وأحب زيارتك.
ربما لأني فيك كبرت واشتد عودي، وربما لأني منك انطلقت إلى هناك. وربما أيضاً لأن لي فيك ذكريات جميلة منذ نعومة أظفاري، منذ كنت طالباً على مقاعد الدراسة. ولأني أحبك فإن من واجب المحب على من يحب أن يخبره بذلك، وها أنا ذا أخبرك وأخبر الآخرين بذلك.
فيك صخب غير مقارن، وفيك حياة غير كل حياة. ونمط الحياة فيك يشدني إليك بكل ما فيك من شجر وحجر وبشر، لِمَ لا وشجرك يرسم لوحة فسيفسائية جميلة، وحجرك فيه نسمات من عبق التاريخ، وبشرك متسامح ومنفتح إلى أبعد مدى.
فيك ومنك تعلمت الكثير، وفيك التقيت أناس غير كل الناس. تعلمت فيك معنى الحياة الايجابية المنفتحة على الآخر، لأن المنغلق فكرياً لا يستطيع أن يعيش فيك أو يتعايش معك. تعلمت فيك معاني سامية كثيرة لازالت تساعدني على إكمال المسير. تعلمت فيك معاني الأَنَفة والأصالة والشهامة وحب الحياة.
وأحب فيك تلك اللغة المشتركة بين الناس، حيث يفهمون بعضهم البعض ويمازحون بعضهم البعض. وأحب فيك أيضاً تلك الأحياء، خصوصاً في جانبك الغربي، التي تذكرني بمرحلة عشتها في بعض المدن الأوروبية، ولا أزال، كأنها ذات الأحياء وذات الطقوس مع بعض الفروقات. وأحب فيك نداء الصلاة المنبعث من المساجد، وكذلك أجراس الكنائس.
ثم ماذا بعد؟
أحب فيك ذاتي التي أجدها في حضنك الدافئ، كأني ما كبرت، وكأني ما زلت ذاك الطفل البريء صاحب الملامح الخجولة. وهذا شعور يصعب وصفه ويصعب حصره.
وأحب فيك أصدقاء طفولتي الذين كبروا معي، والذين عادوا بعد سنوات طوال لي، لا لشيء، إلا ليذكروني بالماضي الجميل. ماضٍ كانت فيه الحياة غير الحياة الآن، وكان فيه الناس غير الناس الآن. ماضٍ يأخذنا إليه رغماً عنا، ويُشاغلنا رغماً عنا، ويُدمعنا رغماً عنا.
وأحب فيك ذكرياتي، رغم قسوة بعضها، لأنها تذكرني بذاتي التي تشكلت فيك. ذكريات لها حيز كبير في قلبي ووجداني. ذكريات تعلمت منها الكثير الكثير. ذكريات تذكرني فيك وفي كل شيء هو منك.