قبل ما يزيد على الخمسة وعشرين عاما أشهر مجموعة من أبناء السلط ما أطلق عليها في حينه وثيقة السلط الشعبية ، التي باركها جلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين ولاقت استحسانا من كل أبناء الأردن ، ونجحت فعلا في إلغاء بعض العادات كان من أسوئها تقديم الأنواع المختلفة من السجائر للمعزين في المآتم ، ونجحت كذلك في التخفيف من مظاهر التبذير والبذخ في مناسبات الأفراح . إلا أن عودة البعض عن الإلتزام بمضامين تلك الوثيقة وضرورات التجديد ومحاكاة المستجدات دفعت مجموعة أخرى من أبناء المدينة بمن فيهم بعض من ساهم في الوثيقة الأصلية للقيام بمراجعتها وإقرار بعض التعديلات عليها بمؤتمر شعبي حضره المئات من أبناءالمحافظة .
بالرغم من تجديد الوثيقة والتذكير المتكرر بمضامينها وبالرغم من ملاحظات الكثيرين ممن سبقوني للكتابة في موضوع العادات التي أخرجناها عن مضمونها ، وبلغ فيها الشطط والمبالغة حدا لم يعد من الممكن تحمله أو التغاضي عنه ، إلا أن ما يجري في مدينة السلط تحديدا في مناسبات الأتراح لا يمكن السكوت عنه ، بعد أن أصبح يثقل كاهل شريحة واسعة من المواطنين سيما وأن حالات الوفاة تأتي بشكل مفاجيء وبتوقيت لا يعلمه إلا الله ، مما يضع ذوي المتوفى في حرج من أمرهم ، لا يستطيعون أمامه سوى اللجوء إلى الإستدانة وإراقة ماء الوجه لتغطية تكاليف مراسم العزاء ، التي أصبحت في غالب الأحيان تناهز تكاليف الأعراس ، ناهيك عن أن صاحب العرس هو من يحدد زمان المناسبة ويرصد لها الموازنة اللازمة .
إن ما يجري في المآتم هذه الأيام لخروج على السنة النبوية التي بنيت على أساسها عادة إعداد وتقديم الطعام لآل المتوفى ، وإذا ما تجاوزنا عن موضوع الإسراف والتبذير في الولائم فكيف لنا أن نرى آل ( جعفر ) وقد أصبحوا هم من يصنعون الطعام ويقدمونه للمعزين ، بعكس ما أمر به رسولنا الكريم ( عليه الصلاة والسلام ) وليصيبهم من العتب واللوم إن قصروا في واجب الضيافة ، أكثر مما أصابهم من حزن بفقدان عزيزهم ، إن مايثير الاستغراب والدهشة أيضا أن نرى معظم الأثرياء وقد التزموا بالتخفيف على أنفسهم وعلى الناس بينما نجد من هم أولى بتطبيق الوثيقة يتمادون في إرهاق أنفسهم خوفا من لومة لائم لم يعرف يوما إلا ضيفا على موائد الآخرين .
ما أقترحه في هذا المجال هو أن نتعاهد جميعا بأن لا نلبي دعوات وليمة اليوم الثالث للمآتم عند أهل المتوفى ، فإن كنا لانملك الجرأة لوقف ذلك في مناسباتنا فلا أظن أننا بحاجة لشيء من تلك الجرأة للإمتناع عن قبول الدعوات عند الآخرين .