محمود باشا التل «عندما يرحل الشهم»
محمد حسن التل
19-04-2007 03:00 AM
قليلون أولئك الذين يتركون رنة حزن في أعماق الناس عندما يرحلون ، في هذا الزمن الرديء ، زمن المادة والمصلحة الضيقة والهدف الصغير. اللواء محمود التل من هؤلاء القلة ، فقد أجمع الناس على عمق الخسارة برحيله ، ليس فقط على مستوى عشيرته وأهله ، بل على مستوى الأردن.. الوطن الذي أحبه الجنرال الراحل ، وتغنى به بمقدار خوفه وحرصه عليه ، عبر ما يقارب الستة عقود من الزمان.
العم أبو زياد ، الباشا ، المقاتل والمجاهد الذي عرف بحزمه وعزمه ، عندما كانت تشتد الخطوب ويكاد الخلاف يعم ، تراه يصدع برأيه فيأتي كالبلسم الشافي ، فيرضى الجميع وتشعر كل الأطراف بالفوز ، يحنو على الصغير ويحترم الكبير.
"عاش أبو زياد".. ما زال هذا الهتاف يرن في أذني من خلف خمسة عشر عاما ، وكأن بصوت والدي المجلجل رحمه الله يردده اللحظة ، والدي الذي بكاه الباشا بحرقة شديدة عندما رحل إلى ربه بداية هذا القرن ، ففي موقف صعب ولحظة حرجة ، اختلفت بها الآراء واحتدم النقاش ، كعادته مسح الباشا بيده وصدع برأيه فرضي الجمع وارتاحت النفوس.
ظُهر الاثنين الماضي ، كانت إربد على موعد مع الحزن والقدر والمهابة ، عندما شيعت أحد أبنائها البررة ، محمولا على مناكب رفاق السلاح الذين زادوا إربد مهابة على مهابتها.
محمود باشا التل ، واحد من الذين قاتلوا على ثرى فلسطين دفاعا عنها وعن أمته ، فاستحق لقب المجاهد بحق ، وظل مسكونا بحب الوطن حتى لقي ربه ، تراه صامتا بحزن وعندما يتحدث كان سامعوه يشعرون بعمق المرارة التي يعاني منها حسرة على أوضاع أمته. ولا غرابة في ذلك ، فهو ابن عشيرة حملت همّ أمتها عبر القرون ، وتزنرت بزناد دمً دفاعا عنها ، وهو شقيق المجاهد عبدالله التل الذي نحت سيرته بحروف من ذهب في صفحات تاريخ الأمة.
رحل الباشا ولكن روحه ستظل بين أهله وأبنائه وأصدقائه ورفاق السلاح إلى الأبد.
لا شك أن أبا زياد يعيش الآن فرحة اللقاء مع اشقائه وأبناء عمومته في البرزخ ، وتراهم فرحين بقدومه.. وصفي ونعيم وحسن ومحمود وزكي وممدوح وصايل ، والقافلة طويلة من الأحبة الذين فارقونا وتركونا في لوعة الفراق.
فإلى جنات الخلد أيها الراحل الكريم والرجل الشهم والمقاتل الشرس ، سنظل نذكرك ونلقن أنفسنا وأبناءنا درس الولاء والانتماء الذي لقنتنا إياه ، وستظل جذوة الحزن مشتعلة في صدورنا: فخسارة الرجال لا تعوض وأنت من فـُحولهم ، وفي هذا المقام لا يسعني إلا أن أردد قول الشاعر:
جرداءُ إربد لا مرجّ ولا أجمُ
قد مسّها الجَدبُ لمّا مَسَك العدمُ
جاءتك باكيةُ تلتاع في خفر
فامسَح جُماناً على الخدّين يزدحم
غبراء إربد لا قرطّ يزينها
والجيد في عطل قد راعه السقم
ولا نملك في هذا الموقف الحزين ونحن القابضون على جمر الفراق ، إلا أن نستحضر قول رسول الله "صلى الله عليه وسلم" (إن العين لتدمع ، وإن القلب ليحزن ، وإنا على فراقك لمحزونون). ولا حول ولا قوة إلا بالله.