رؤية وحكمة وخبرة الحكم في الأردن
د. عاكف الزعبي
02-01-2018 12:36 PM
يمثل نظام الحكم في الاردن بمواقفه وسياساته التاريخية منذ تأسيس الدولة وحتى اليوم النموذج الاكثر وضوحاً والاقرب الى الحقيقة والواقعية المسؤولة بين الانظمة العربية، مما يؤهله بجدارة ليكون الشاخص المعياري للمقارنة بين مواقف وسياسات الانظمة العربية السليم منها وغير السليم المسؤول منها وغير المسؤول .
خبرة القيادة الاردنية ومسؤولياتها كانت دوماً وراء مواقفها الواقعية ادراكاً منها ويقيناً بان حسم الصراع او تسويقه لصالح طرف على حساب طرف آخر رهن بما يملكه كل طرف من أدوات القوة بين يديه. وأن تأجيل التسويات وعدم القبول ببعض الخسائر عندما تكون الظروف غير مواتية لاحد الاطراف لا يمثل انتصاراً له حتى لو صيغ بشعارات نارية ورفعت بأعلى الاصوات ، بل انه ينذر بالمزيد من الخسائر اذا لم يكن ثمة يقين من عامل الزمن في المدى المنظور او المتوسط على ابعد تقدير.
وطالما رأت القيادة الاردنية ان القبول ببعض التسويات في الظروف غير المواتية بما تحمله من خسائر تجنباً لخسائر اكبر هو موقف مسؤول لا تتحمله الا قيادة خبيرة مسؤولة واثقة من نفسها ومستعدة في سبيل المصالح العليا ان تتحمل المسؤولية مع ما قد ينجم عنها من انتقادات قاسية قد لا ترحم احياناً . وهذا هو موقف القيادة التي تقدر برؤيتها ومسؤوليتها المصالح العليا حق قدرها ، وتتمسك بها ، وتنظر الى المستقبل باستشراف تفتقر اليه قيادات غيرها .
عندما عجزت محاولات الملك المؤسس عبدالله الاول المكثفة لاحتواء الطموحات الصهيونية بحكم ذاتي تحت وصايته ، حرص بكل قوته ان لا يفوت الفرصة الثانية لاحتوائها ، لكن جهوده لإقناع القيادات الفلسطينية والانظمة العربية بقبول قرار تقسيم فلسطين ذهبت سدى . الانظمة العربية هربت من المسؤولية واستسلمت لضحالة الرؤية وافتقار الحكمة، والقيادات الفلسطينية وضعت ثقتها في الجامعة العربية التي خذلتها. كان موقف الملك مبنياً على رؤية وخبرة واستشراف للمستقبل بينما اختار غيره النكوص ثم لاذ يتغطى من نكوصه بالشعارات بينما الهزائم المتتالية تحيق بمصالح الاوطان والشعوب .
داخلياً الحكم والقيادة انقذا الاردن في الخمسينات من مراهقات مجموعات الانقلابين الذين لو نجح مسعاهم لكان لحق الاردن بمصائر بلاد عربية ابتليت بأنظمة وصلت للحكم على الدبابات . وعادا لإنقاذه مرة اخرى عام 1970 عندما اندس بين صفوف المنظمات الفدائية بعض من اصحاب فكر الخمسينات الانقلابي الى جانب منظمات تتبع لأنظمة عربية لا تريد الخير للأردن .
وعربياً ًلم تشارك قيادة الاردن في الذهاب الى حفر الباطن عام 1991 والاحتشاد الى جانب القوات الامريكية لفرض الحصار على العراق واسقاط نظامه . وبقيت الوحيدة دون تردد بين القيادات العربية التي وقفت ضد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 .
راهناً لم يغرق الاردن في حرب تصفية الخلافات بين الدول العربية . واستطاع ان يكسب تفهم القوى الكبرى لمواقفه السياسة ليبقى الاردن في منأى عن كل ضرر كان يمكن ان يلحق به . وها هو يقف اليوم بحسم ووضوح في مواجهة القرار الامريكي ضد عروبة القدس منحازاً للمصالح العليا للأردن وفلسطين .
رؤية وحكمة وخبرة نظام الحكم في الاردن ليست وليدة فكر نظري او انقلاب عسكري او شعارات حالمة . وانما هي من خبرة عميقة وطويلة تعود في جذورها الى تجربة قرنين من تحمل المسؤولية والشراكة في الحكم في الدولة العثمانية ، وتعاملات وسجالات مع قوى الغرب العظمى لعقود عديدة تمكنها من تقدير قدرات الخصوم واكتشاف كنه سياساتهم وامتلاك مهارة التعامل معها وادارة مهمة احتواء مخاطرها.