محاولات تهميش الدور الأردني وخيارات المملكة مفتوحة
أ. د. انيس الخصاونة
02-01-2018 02:09 AM
لم يعد خافيا على المراقبين لمشهد الأحداث والتطورات السياسية في الشرق الأوسط من أن هناك محاولات أو تجاوزات للدور السياسي الأردني في بعض القضايا المهمة وفي مقدمتها بالطبع القضية الفلسطينية. الأردن الذي كان يشكل قطب الرحى والمحج لكثير من الوفود الدبلوماسية والقيادات الدولية، التي كانت تسعى لاستطلاع الرؤيا الأردنية، لم يعد يحظى بذات الاهتمام من قبل بعض القوى الإقليمية والدولية. إسرائيل لم تعد تبدي نفس الاهتمام والحماس للمحافظة على علاقات سلام ولو كانت باردة مع الأردن، وذلك بعد أن نسجت علاقات وطيدة ومعلنة مع بعض دول الخليج التي يرعبها تصاعد القوة العسكرية الإيرانية ،وطموحاتها التوسعية من الناحيتين السياسية والمذهبية. الولايات المتحدة الأمريكية في عهد إدارة ترمب بسطت كامل قبضتها على بعض دول الخليج حيث أن إدارة ترمب تفاجأت بحصولها على أكثر مما كانت تتمناه من هذه الدول ،لا بل فإن هذه الدول باتت مستسلمة لرغبات الإدارة الأمريكية التي لا تحترم العرب وتناصب المسلمين العداء علنا وبدون مواربة. الأردن أيضا لم يعد محل اهتمام من قبل دول الخليج المجاورة في ضوء تطور العلاقات والتحالفات مع إسرائيل والولايات المتحدة وقد ترتب على انحسار هذا الدور الأردني انحسار أكبر في المساعدات الخليجية والتي وصلت إلى درجة التوقف. أمريكا أيضا تلوح بوقف مساعداتها للأردن والبالغة (1200)مليون دولار وذلك في ضوء تمسك الأردن بعروبة القدس ووصايته على المقدسات وتصويت مندوب المملكة في الجمعية العامة للأمم المتحدة برفض القرار الأمريكي الذي يعترف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني.
يا ترى كيف للأردن أن يحافظ على مكانته ودوره إزاء القضايا المعروضة وخصوصا القضية الفلسطينية التي سيكون لأي حل لها تداعيات وانعكاسات على وضع الأردن السياسي والاجتماعي؟ . أحسن الملك عبدا لله صنعا في استدارته وتحركاته السياسية سواء بإصراره على حضور القمة الإسلامية في تركيا، أو تعزيز التنسيق والتواصل مع القيادة التركية بشأن القدس ، أو بفتح قنوات التواصل مع إيران ،أو تمتين العلاقات مع العراق مما يعزز من فرص الاستثمار والتبادل التجاري بين البلدين، أو تليين المواقف مع القيادة السورية في ضوء التقدم الكبير الذي تحرزه على الأرض. ونحن نعتقد بأنه وفي ضوء محاولات عزل الأردن وتجاوز دوره الاستراتيجي في المنطقة فإنه يمكن للقيادة الأردنية اتخاذ مواقف إضافية تعزز من دور الأردن السياسي ، وتمكنه من تقوية اقتصاده من خلال فتح القنوات مع دولة قطر وإعادة العلاقات الدبلوماسية لما كانت عليه قبل تخفيض التمثيل الدبلوماسي بين البلدين ، حيث أن ذلك الإجراء جاء مجاملة للموقف السعودي الذي يعتبر أبرز المواقف التي تحاول تجاوز الدور الأردني لا بل وعزله من خلال تفاهمات تحت الطاولة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية . من جانب آخر فإن إعادة فتح مكاتب محطة الجزيرة في عمان يمكن أن يعطي رسالة واضحة عن عدم رضا الأردن عما يجري من محاولات تهميش لدوره السياسي ناهيك عن الأهمية الإعلامية لهذه القناة .
من جانب آخر فإن الأردن ما زال لديه أوراق يمكن أن يستخدمها مثل وقف اتفاقية الغاز مع إسرائيل، وسحب السفير الأردني من تل أبيب ، ووقف استيراد السلع الإسرائيلية للسوق الأردني .نعتقد بأن أبرز التحالفات التي يمكن أن ينسجها الأردن هو التحالف مع الشعب الأردني نفسه، فالأردنيون اليوم أكثر من أي وقت مضى يقفون صفا واحد مع قيادتهم حيث تتلاقى الأهداف ، وتتطابق المواقف الرسمية مع الشعبية ،وما الوقفات والمسيرات التي تجوب المملكة رفضا لقرار نقل السفارة الأمريكية إلا مثالا على هذا الانسجام. الأردن الرسمي والأردن الدولة بملايينها الثمانية وبتناغم كبير بين أماني الشعب مع مواقف الحكومة هو الذي يحدد هيبة هذا البلد ويجعل من دوره عصيا على التجاوز، كيف لا وهو يدافع عن مقدسات شعبه وأمته وحقوق مواطنيه في الضفة والقطاع. الأردن يصعب تجاوزه، ودوره أكبر من أن يتم تخطيه، والمساعدات التي كان يتلقاها لم تكن عطايا لأي دولة مجاورة أو نائية، وإنما كانت تحقق مصالح ومكتسبات حيوية واستراتيجية لتلك الدول. الأردن باق ومواقفه ليست للمقايضة أو المساومة، ومجمل المساعدات التي كان يتلقاها الأردن لا تشكل أكثر من واحد ونصف بالمائة من الموازنة العامة للدولة، ويمكن لا بل يجب الاستغناء عنها بكل سهولة إذا ما كان الثمن هو القدس وفلسطين فهل من مدكر.....