المصالحة الفلسطينية .. جمر تحت الرماد
مالك نصراوين
01-03-2009 03:45 AM
الانباء التي تواردت عن مؤتمر المصالحة الفلسطينية في القاهرة ، والتي توحي بالتفاؤل ، وقرب حل الاشكال الناجم عن الانقسام ، وتفسخ السلطة الفلسطينية الى سلطتين ، هذه الانباء المتفائلة ، لا اعتقد انها كذلك بالنسبة للشعب الفلسطيني ، ولكل المتابعين للشأن الفلسطيني ، والاتفاق الجديد كسابقاته من الاتفاقات ، وابرزها اتفاق مكة ، ما هي الا مرحلة قصيرة ، ضمن مراحل صراع طويل ، بين توجهين متناقضين ظاهريا على الساحة الفلسطينية ، لكن كل منهما في النهاية ، يسعى الى نفس الهدف الاستراتيجي ، وهو قيادة دولة فلسطينية ، على ما يمكن استعادته من الارض الفلسطينية .
المواطن الفلسطيني العادي ، الذي عاش المعاناة بكافة اشكالها ، لمدة ستين عاما ، بما فيها معاناة التشرذم العربي والفلسطيني ، لن تخدعه مثل هذه التصريحات المتفائلة ، وهو لا يريد رؤية ابتسامات متبادلة ومصطنعة بين ابو مرزوق وابو علاء ، او بين الزهار والاحمد ، بل يريد تفاهما على برنامج واضح ، يضع الحلول لكل المعضلات ، ولن يتأتى ذلك الا بتنازلات من احد الطرفين ، تلبي الشروط الدولية لعملية السلام ، وبالتالي توفر امكانية المصالحة الوطنية ، على اساس حل الدولتين ، الذي اصبح مطلبا عربيا ، تضمنته المبادرة العربية للسلام ، او بتخلي هذا الطرف عن لعبة الحكم ، والبقاء كمقاومة تحت الارض ، داعما للمفاوض الفلسطيني .
لن يكتب لمثل هذه المصالحة النجاح ، الا اذا كانت افرازا لمتغيرات سياسية ، ربما لن تظهر للعلن خلال فترة قصيرة ، ونحن نعلم ان منظمة التحرير الفلسطينية ، لم تعدل ميثاقها الوطني ، الا بعد سنوات طويلة من التوجه للحل السلمي ، والذي اعقب بدوره ، سنوات طويلة من التمسك بالبندقية ، كخيار وحيد لتحرير فلسطين ، وليس مهما عنوان المرحلة ، هل هو حل سلمي ، او هدنة مئة عام ، وكلاهما سيؤدي الى نفس النتيجة .
لن نستطيع تجاهل احداث مهمة ، كزيارة عضو مجلس النواب الامريكي ، جون كيري لقطاع غزة ، وتسلمه رسالة من حكومة حماس ، الى الرئيس الامريكي الجديد باراك حسين ، افصح عنها بوضوح ، وكيل وزارة خارجية حكومة حماس المقالة ، احمد يوسف خلال الاسبوع قبل الماضي ، ونحن نعلم ان تجاوب امريكا ، مع اي غزل تجاهها ، يبدأ بزيارة نواب وشيوخ الكونجرس ، اضافة لزيارة ممثل الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا ، لقطاع غزة هذه الايام ، وما قيل عن قبول الرئيس الامريكي الجديد ، التعامل مع حكومة وحدة وطنية تضم حماس ، ثم جاء ما صرحت به هيلاري كلينتون امس ، من ان نجاح حكومة الوحدة الوطنية ، المنوي انشاؤها ، مرهون باعتراف حماس باسرائيل .
التنازل الامريكي من خلال القبول بالتعامل مع حكومة تشترك بها حماس ، لا يمكن ان يتم بدون مقابل ، فالادارة الامريكية الجديدة ، لن تنقلب تماما على موقف الادارة السابقة ، التي قاطعت الحكومة المقالة منذ البداية ، بدون وجود تنازلات سياسية من طرف الممانعة الفلسطينية ، والرسالة السابقة الموجهة لها ، وما تضمنته هذه الرسالة وما تعنيه ، ساهمت في اعطاء الضوء الاخضر لبدء المصالحة ، ولن تكون مليارات الاعمار هي السبب ، كم لن تكون الانتخابات الاسرائيلية ونتائجها ، هي العامل الحاسم في هذا التبدل في المواقف ، فما من احد توقع فوز حزب العمل الاسرائيلي ، وحزب كاديما ، هو الابن الشرعي لحزب الليكود ، وكلاهما من عتاة اليمين الاسرائيلي ، واللاعبون الاقليميون لن يكون لهم دور رئيسي في تبدل المواقف ، من دون مباركة اللاعبين الكبار .
الصراع الفلسطيني الذي لا نتمنى حدوثه ، سيكون ليس بين طرف مستسلم وطرف ممانع ، بل بين طرفين يتنافسان على تمثيل الشعب الفلسطيني ، احدهما اكتسب الشرعية الدولية ، والاخر يحاول انتزاعها منه ، لانه يعتقد انه الاقدر على تلبية استحقاقات المرحلة .
m_nasrawin@yahoo.com