في وداع عام التناقضات والمفاجآت
الدكتورة ناهد عميش
أ. د. ناهد عميش
01-01-2018 01:45 PM
٢٠١٧ عام مختلف كثيرا عن بقية الأعوام السابقة؛ فصحيح أن الحوادث والحروب والكوارث لم تبدأ في هذا العام، ولكن ما ميزه هو قلب الموازين السياسية وتشكل تحالفات إقليمية ودولية جديدة.
ويرجع ذلك التحول في جانب كبير منه إلى وصول بعض الرؤساء الجدد إلى الحكم؛ ما كان له الأثر الكبير في التغييرات الجذرية التي حصلت في الساحة الدولية. وفي مقدمة هؤلاء الحكام دونالد ترامب وإيمانويل ماكرون.
فدونالد ترامب يعتبر بامتياز رجل المفاجآت؛ فهو يقود بلاده بطريقة لم نعتد عليها من قِبَل رؤساء سابقين.
لقد قلبت الإدارة الحالية تقاليد السياسات الأميركية السابقة، وهي تُطبق استراتيجيات أكثر حدة تجاه القضايا الدولية المهمة في بلدان مثل: سورية والعراق وكوريا الشمالية وإيران، ودول الخليج العربي.
وكانت أولى هذه المفاجآت في السياسة الأميركي قرار انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ . وقد بررت الإدارة الأميركية هذا القرار بالقول إن الاتفاقية تضر بالنهوض الاقتصادي الأميركي، وهذا يُجسِّد الفكر الذي يحمله الرئيس؛ وهو تغليب المصالح الوطنية على المصالح الدولية.
كما هاجم الرئيس الأميركي فِي أول خطاب له أمام الجمعية العامة، كوريا الشمالية مهددا "بتدميرها بالكامل... إذا اضطرت الولايات المتحدة للدفاع عن نفسها أو عن حلفائها".
ولم تسلم دول حلف الناتو من انتقادات ترامب بشأن مساهمات هذه الدول في الحلف، وظهرت على السطح خلافات في مسائل عدة بين الدول الأعضاء في هذا الحزب.
ومن القرارات الأخرى المفاجئة التي اتخذها ترامب، قراره ببناء جدار عازل مع المكسيك، وحظر الهجرة من سبع دول إسلامية، وقد قوبل هذان القراران باستنكار دولي ومحلي.
لا شك بأن الإدارة الحالية تعطي الأولوية للشأن الداخلي الأميركي، وعلى رأس القائمة تأتي الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الولايات المتحدة منذ العام 2008.
أما قرار ترامب الأخير بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فقد أتى كالصاعقة للمجتمع الدولي الذي رفض هذا القرار بالرغم من تهديدات ترامب بقطع المساعدات عن الدول التي ترفض قراره.
وهو بهذا يقلب السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة لعشرات من السنين والتي كانت تقوم على مشروع حل الدولتين.
المشهد الآخر الذي ساهم بتغيير مهم في السياسة الدولية هو وصول إيمانويل ماكرون إلى سدة الحكم بعد هزيمة أهم حزبين سيطرا على المشهد السياسي الفرنسي منذ ست عقود، وهما: الحزب الاشتراكي؛ وحزب الجمهوريين.
أهمية مجيء ماكرون تكمن في محورين، الاول هو في كوّن فوز حزبه الجديد كان بمثابة ضربة قوية للتيارات اليمينية المتطرفة الفرنسية منها والأوروبية. أما المحور الثاني؛ فهو تصاعد الدور الأوروبي في الساحة الدولية. فعلاقته الجيدة مع ميركل سمحت لهما بقيادة الاتحاد الأوروبي بقوة واتخاذ مواقف تتسم بالاستقلالية على غرار ما كان يحدث في السابق؛ إذ كانت القرارات الأوروبية لا تخلو في الكثير من الأحيان من التبعية للولايات المتحدة.
وقد تمً في هذا العام خروج بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي.
واحدى المتغيرات الاخرى التي حصلت هي عودة روسيا إلى الشرق الأوسط؛ إذ شكل التدخل الروسي في الأزمة السورية منعطفا مهما أعاد قلب الموازين، وأصبحت روسيا لاعبا رئيسيا لا يمكن تجاهله سواء كان في سوريا أو في الدول الأخرى التي تعاني أزمات مثل اليمن وليبيا.
وشهدنا هذا العام تصاعد للدور السعودي الإقليمي، وفِي الشأن الداخلي، حصلت تحولات عديدة بقيادة محمد بن سلمان تنبأ بتغير المشهد السعودي الداخلي الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
كما مثّل سقوط "داعش" وهزيمتها في العراق وسورية احد الأحداث المهمة في هذا العام؛ فقد هيأت هذه الهزيمة إلى حلول سياسية محتملة في الأزمة السورية.
كل هذه التحولات ساهمت في إعادة تشكيل النظام العالمي؛ فعام ٢٠١٧ هو بداية التحول وليس النهاية، ومن المتوقع أن يشهد العام المقبل بداية لحل الكثير من القضايا العالقة مثل سورية والعراق وليبيا.
ومن المتوقع أيضاً حدوث حراك سياسي على صعيد القضية الفلسطينية، وربما سيخرج المشروع الأميركي المتوقع إلى العلن، وهو ما يُسمى بصفقة القرن .
أحداث فارقة وتغيرات جذرية حصلت في عام ٢٠١٧، فهل سيحمل لنا عام ٢٠١٨ المزيد من الأحداث الصادمة؟