رسالة السلام في يوبيلها الذهبي 2018
الاب رفعت بدر
01-01-2018 04:46 AM
كعادته كلّ عام ، قدّم المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام رسالة قداسة البابا فرنسيس بمناسبة يوم السلام العالمي، والذي يصادف الأول من كانون الثاني في كل عام. وهذه السنة هي الرسالة رقم 50، ومنذ إصدار نسختها الأولى في عهد البابا بولس السادس عام 1968، موجّهة إلى جميع شعوب العالم، تسعى سنويا لوضع خارطة طريق للتعامل مع المسائل الحالية والملحة التي تؤثر على السلام العالمي أو تخدش الكرامة الإنسانية.
تتناول رسالة هذا العام موضوع الهجرة تحت عنوان: «مهجّرون ولاجئون: رجال ونساء يبحثون عن السلام»، واستهلت بحقيقة وجود أكثر من 250 مليون مهاجر حول العالم، من بينهم 22.5 مليون لاجئ. ولفتت إلى أن هؤلاء هم رجال ونساء وأطفال يبحثون عن مكان ينعمون فيه بالسلام، والعديد منهم مستعدون لتعريض حياتهم للخطر ومواجهة الصعوبات لتخطي جميع العراقيل التي تعترض طريقهم، مؤكدة بأنّ استضافة هؤلاء تتطلب من الدول التزامًا ملموسًا وتنبهًا يقظًا وإدارةً مسؤولة للأوضاع المقعدة.
وأمام هذا الواقع، توقفت رسالة البابا فرنسيس، وهي الرسالة الخامسة لقداسته منذ انتخابه، عند آراء العديد من الدول في أن استقبال اللاجئين سيعمل على تضخيم أخطار الأمن وسيزيد من أعبائها، لافتة إلى أن عولمة اللامبالاة تجاه المهجّر واللاجىء هو استهزاء بالكرامة الإنسانية التي يجب الاعتراف بها للجميع. ودعت في هذا السياق إلى رؤية الهجرة كفرصة لبناء مستقبل من السلام؛ فالمهجرون واللاجئون يأتون حاملي قدرات وتطلّعات، وثروات ثقافاتهم الأصلية، وبذلك سيعملون على إغناء حياة البلدان التي تستقبلهم.
وتقدّم الرسالة استراتيجية عملية مكوّنة من أربعة إجراءات: الاستقبال welcoming، الحماية protecting، التعزيز promoting، والإدماج integrating. فالاستقبال يعني توسيع إمكانيات الدخول الشرعي مع إيجاد توازن بين الأمن القومي وحماية حقوق الإنسان الأساسية. أما الحماية فتعني الاعتراف بكرامة جميع الذين يهربون من خطر حقيقي باحثين عن ملاذٍ وأمنٍ وكرامة. في حين يوجهنا التعزيز نحو التنمية البشرية المتكاملة للمهجّرين واللاجئين، كوصول الأطفال إلى جميع مراحل التربية والتعليم. أما الإدماج فيعني السماح للاجئين والمهجّرين بالمشاركة الكاملة في حياة المجتمع بآلية إثراء متبادل وتعاون مثمر في تعزيز التنمية البشريّة المتكاملة للمجتمعات المحلية.
كما دعت رسالة الحبر الأعظم لوضع ميثاقين شاملين من قبل الأمم المتّحدة: أحدهما من أجل هجرة آمنة ومنظّمة ومنتظمة، والآخر بشأن اللاجئين، كإطار مرجعيّ من أجل اقتراحات سياسية وتدابير عملية، مشددًا على ضرورة أن يكونا مستوحيين من التضامن والحكمة والشجاعة كفرصة للدفع بعملية السلام نحو الأمام.
نقرأ هذه الرسالة في يوبيلها الذهبي ، ويحدونا فخر مضاعف ، ونحن نرى ان مملكتنا الاردنية الهاشمية قد حققت على أرض الواقع ما تدعو اليه رسالة قداسة البابا ، فقد بذلت المملكة جهودا كبيرة ، في استقبال وإيواء اللاجئين وحفظ كرامتهم وحمايتهم وتعزيز مقدراتهم وادماجهم. فرغم الأعباء الكبيرة التي تواجه الأردن، لكنّه أظهر دعمًا منقطع النظير في صون كرامة المهجّر واللاجىء الإنسانية، ومن خلفه العديد من المؤسسات، سيمّا جمعية الكاريتاس الأردنية الخيرية.
ولأنّه لا حديث عن السلام بدون القدس ، لا يغفل عن بالنا أن نجدد، مع اطلالة العام الجديد ، الاشادة بالجهود الدبلوماسية التي يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم تجاه مدينة القدس العربية، وقد أطلق عليها المركز الكاثوليكي اسم «دبلوماسية الحكمة»، ونشيد كذلك بالتقارب الحاصل مع موقف الكرسي الرسولي -أو الفاتيكان- المشرّف، للحفاظ على الوضع الراهن في المدينة المقدسة، واحترام المواثيق الدولية، والتأكيد على الوصاية الهاشمية التاريخية على المقدّسات الاسلامية والمسيحية فيها، وعلى الأمل بإعلان القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، على ترابها الوطني.
حفظ الله الأردن، قائدا وشعبا، وحفظ وحدتنا الوطنية، وحفظ كلَّ محب للسلام وعامل على تحقيقه، ومُجدٍ في الحفاظ عليه. وكل عام وأنتم بألف خير.
*مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام
الرأي