ها هي أيام العام الحالي تتلاشى , وأنفاسه تنطفئ كجمرة بين الرَّماد , والعالم يعيشُ أيَّامًا وساعاتٍ برزخيَّة بين ما رحل من أعمارهم , وبين ما سينسجه لهم العام الجديد من أيَّامٍ مجهولة !!
وينشط الجميع في كتابة بطاقات التهاني والمجاملة ؛ للخروج من حُفْرة الماضي إلى سهول العام الجديد المُنتظر ,, ويتحدثون عن أمنياتهم المبتورة , وأحلامهم المأسورة , ويأملون بالخير الذي يبتغونه , ويذمُّون الشَّرَّ الذي يَبْتغيهم ..
أمَّا أنا فسأرْقُبُ العام الجديد بصمت ,, ولن أخدع نفسي , وسأترك جماح قلمي يَهِيْمُ في أفلاك الزَّمان , ويتجوَّل في ذاكرة النسيان ؛ لأكتبَ بطاقات للجميع عن كلِّ ما رسمه العام الماضي على وجوهنا من انكسارات ,, وما سنحمله على ظهورنا في العام الجديد من أعباء وانحناءات ...
ومع اقتراب العدِّ التنازلي لرحيل جثمان العام ,, وقدوم ولادة العام الجديد والطفل البهيج , تنتفخ أحلام العالم وهم يرْقُبُون دقات السَّاعة الأخيرة , وذوبان الماضي بالمستقبل , وترتفع أصوات الجميع : أيها العام الجديد إلينا ألينا !! أيها العام القديم وداعًا وداعًا !!!
إنَّه العام الجديد , وأيّ عام جديد وكلّ ما يخصُّنا قديم : أحلامنا, أفراحنا , أشكالنا , أقوالنا , أحوالنا ؟؟
أيّ عامٍ جديد ودقَّات عقارب الساعة تحكي تفاصيل حياتنا مع كلِّ دقَّةٍ من دقاتها ؟؟, وكأنّها بدقّاتها تصرخ :
- تك : ما زالت الإنسانية لفظاً بلا مدلول.
- تك: ما زال البريء مقتولاً والحقّ مجهولاً.
- تك: ما زلنا من ألفِ عامٍ نتعرَّضُ في كلِّ صباحٍ لمُصيبةٍ , وفي كلِّ مساءٍ لنكبةٍ ..
- تك : ما زلنا ننزل عن سُلَّم الأخلاق للهاوية , ونصعد على سُلَّم النِّفاق للقمّة .
وهكذا تأنًّ الساعة الأخيرة من كل عام حتّى تتعانق العقارب في الساعة الثانية عشرة ؛ليجتمع عامين في آنٍ , إنّه انقلاب مُريع , ومخاضٍ عسير, إنّه ولادة العام 2016 , ورحيل عام 2015.
يُصفق الجميع فرحًا بانتظار فراديس السعادة الأبديّة , وهم ما يزالون في نفس الكتاب الذي تُقلب صفحاته ؛ ليقرأ الجميع ما دُوِّن في الصفحة السابقة بخطٍّ جديد
أيًّها السادة :
ما زلنا من صُنع الماضي بكلِّ تفاصيله وإنْ تغيّرت الأعوام , وتوالت الأزمان , وكَبُرتْ خانة الأرقام. ولا بدَّ من اكتشاف أنفسنا من جديد , وإزالة الصدأ المتراكم على عقولنا حتى نرى عُيوبنا , وإلّا بقينا في سُبات عظيم لن يُوقظه عامٌ جديد , ولا أصوات البواريد , ولا انكسارات تلاحقنا من جديد !!!