أوراق وفواتير صغيرة وربما حسابات نهاية العام... أصبحت حياتنا عبارة عن قصاصات من الأوراق والفواتير الصغيرة نقضي بها حاجاتنا ومشترياتنا ومقتنياتنا الثمينة والرخيصة، ربما هي بدعة هذا العصر السيء والسريع بكل شيء.
وفي نهاية كل شهر نجدول هذه الأوراق ونحسب كيف تم صرفها ولماذا صرفت ولأي هدف كي نوازن بين مدخولنا ومصروفنا الشهري في ظل الأزمات الاقتصادية غير المتوقفة..! ولكن ماذا عن الحسابات التي لا نستطيع جردها بالورق على الصعيد الشخصي كأفراد ومواطنين وربما على الصعيد المحلي كدول ذات كيان وسيادة والأممي كأبناء قومية عربية واحدة !!
في الحقيقة؛ المجتهدون والمثابرون والمنجزون هم من يقفون في نهاية المحطات لتأمل الذات وجرد الحسابات لما أنجزوا وبما أخفقوا كي يستفيدوا من تجاربهم لتقيّم النفس والانطلاق نحو محطة جديدة لاستكمال المسيرة. وهذا ينطبق بدوره على الدول الكبرى التي تحظى بالسلطة والسيادة على العالم ولها اليد الطولى في مجلس الأمن الدولي؛ فنجد الإحصاءات والدراسات والخطط الاستراتيجية الطويلة والقصيرة الأمد قد وضعت على جميع المستويات الوطنية والاقتصادية والتكنولوجية والاستثمارية والتعليمية والصحية والعلاقات الإقليمية والدولية.
لكننا نحن على صعيد العالم العربي أو كما يحبون تسميتنا بدول العالم الثالث (أو ربما الثالث عشر) نسير بلا هدى ولا برمجة، كل شيء لدينا يعمل دون حساب ولا تخطيط، ندير حياتنا بما يشبه العفوية والعشوائية ، لا نخطط لشهر واحد قادم ، نعيش هائمين بغوغائية تامة، غارقين في خلافات وأيدولوجيات عفى عليها الزمن، منقسمين على ذواتنا ومتقوقعين داخل حلزونتنا ذات الألف والأربعمائة عام!!! والمصيبة أننا نصاب بالدهشة من تراجعنا وانحدارنا وكأننا لا نعلم الأسباب... !!!
هذا العام كان الأصعب علينا محلياً؛ إن كان من حيث التراجع الاقتصادي المستمر والعجز القائم بالموازنة العامة وفرض الضرائب ورفع الدعم عن المواد الأساسية وتفعيل سياسة رص الحجارة على البطون وربط الأحزمة وتوقف المساعدات وانسحاب الحلفاء.
أما إقليميا فإن المشهد العربي لا يقل قسوة هذا العام عن الأعوام السابقة وعدد بلا حرج... بدء من الكوليرا في اليمن الحزين مروراً بلأم جراح سوريا العرب والأزمة اللبنانية والتشرذم العراقي والقتل الصامت في مصر والاقتتال الليبي والغطرسة الخليجية التي فاقت التوقعات حتى إعلان القدس عاصمة للكيان المحتل إسرائيل تمهيدا لتحقيق حلم الصهيونية الأكبر!
الليلة سندخل العام الجديد والقادم ليس بأفضل حال محلياً وإقليمياً وسياسة العفوية والعشوائية والفزعة والعمل بلا تخطيط أو تفكير وتدبير باتت مع الأسف أساس الفعل لدى المواطن العربي عبر الأعوام السابقة.
عام 2018 سيحل خلال ساعات ولابد من اتخاذ موقف حازم تجاهه على الصعيد المحلي والعربي ؛ علينا أن نعتمد على أنفسنا بالدرجة الأولى ولا ننتظر الحلول الخارجية، علينا شحذ الهمم وتجنيد العقول للخروج من عنق الزجاجة، علينا الإيمان بذواتنا فليس من هناك أحرص علينا من أنفسنا، علينا أن نفتح أعيننا لندرك موقعنا الصحيح في بلادنا وموقعنا الحقيقي على خارطة السياسة العالمية.
كل عام وأردننا بخير وعالمنا العربي بخير وإنسانيتنا بأحسن حال وستبقى القدس عاصمة فلسطين وعاصمة قلوبنا الأبدية..
rulanassraween@hotmail.com
•ملاحظة: المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب الشخصي ولا يمثل أي جهة أخرى.