يودعنا أو نودعه ، يحبنا نحبه ، يكرهنا نكرهه ، لا يهم ، المهم أنه يمضي متثاقلا مطأطئ الرأس يمضي منسحبا ، ثقيل الخطى دامع العينين ، وقف في أقصى حافة الأفق الغربي استدار نحو الشرق و نظر طويلا ثم بصق علينا و هز رأسه و قال وداعا لا لقاء بعده ، لقد هرمت و ما هرمتم ، و تعبت من سفالاتكم و ما تعبتم ، أمضي باكيا من أفعالكم و ترقصون و تفرحون و تحيون الليلة بالأغاني و الأفراح و الحفلات و الرقص و كأنكم استفدتم مني و غنمتم كل دقيقة غنيمة و حللتم في كل يوم مشكلة ، و كأنكم حررتم فلسطين و استرجعتم الأندلس و عبدتم الشوارع و أقمتم المدرس و الجامعات و وسعت في الأسواق و الصناعات .
ثلاثمائة و خمسة و ستون يوما قضيتها معكم أيها الأوباش ، بدل أن تقتلوا الفقر قتلتم الفقراء و بدل أن تنشروا العلم سجنتم العلماء ، و بدل أن تبنوا الجامعات و المدارس و المستشفيات أقمتم الملاهي و الكباريهات و الكازينوهات ، و بدل أن تستثمروا أموالكم في البنى التحتية أهديتموها لأعدائكم و بقيتم في بيوت الشعر و الخيام ، ثلاثمائة وخمسة و ستون يوما أخرى قضيتموها و أنتم تقتلون بعضكم بعضا ، و تكذبون و تفسقون و تنافقون و تبيعون القدس و ترضخون لأتفه أمة على وجه الأرض و تتسلون بإعادة و تكرار أفعالك التي تفعلون منذ سبعين سنة مثلي مرت عليكم و انتم أنتم لا تتغيرون و تتبدلون.
أنتم أنتم ، لا تتغيرون ، تحبون المديح و النفاق ، تحبون الكذب و الدجل و تزوير التاريخ ، لا تتعبون من إعادة إنتاج أنفسكم ، تخافون من خيالاتكم ، أسود على بعضكم البعض و في الحروب مع العدو ناعمة أو نعامات ، شيوخ فيكم لا يملون من اللحم و الرز و القهوة السادة و هم مستلقون على أقفيتهم كالأنعام أمام الشعير إلا من رحم الله ، و الفقراء فيكم منافقون يتلطون بين هذا اللئيم و ذاك ، كلكم تتغنون بفلسطين و كلكم تكرهون فلسطين ، كلكم تبكون من أجل المسجد الأقصى و نصفكم جواسيس لليهود الذين يحتلون المسجد الأقصى ، كلكم تلعنون الفاسدين و حينما يدخل فاسد و انتم تلعنوه إلى مجلسكم تقبلون أياديه كلكم و تجلسونه في صدر المجلس و تحفون حفاة عراة من أخلاقكم لتجلسوا عند العتبة .
أنتم دائما أنتم ، كالشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين ، تمدحون الزعيم حتى إذا تخوزق كما في أراضي الدولة الفاطمية أو تدثر بدمائه الإبليسية كما في أرض بلقيس ، أو طار و سقط كما في ديار ابن خلدون تبرأتم منهم و صليتم وراء القادم الجديد ، كل ذاهب عندكم و بش ، و كل قادم من الملائكة المكرمين ، لا تملون من الغناء و الرقص كالعبيد و المماليك ، لا شرف عندكم يرتجى و لا ضمير عندكم و لا حتى الضمائر في اللغة تعرفونها ، انتم ضيعتم أعماركم كلها في حلقات العهر السياسي و الاجتماعي في محافل الشر المزروعة فيكم و بينكم و يديرها كوهين الرابض خلفي غربا.
أنتم أنتم تقسمون أغلظ الأيمان و تنقضونها كما ينقض الوضوء ، تتعلقون بأحبال الكعبة و أعينكم تفيض من الدمع ثم تسرقون ثوب الكعبة كما حصل مع ابن دينار و تلاميذه و القصة تروى إن كنتم تفقهون و ما أظنكم إلا كالحمار يحمل أسفارا ، " كان مالك بن دينار يعظ الناس في المسجد و يذكرهم بأحوال الدنيا والآخرة و كان بجانبه مصحف نسخه له يقرأ فيه ، و قد تأثر الناس في المسجد وهم يسمعون وعظ ابن دينار فأجهشوا في البكاء ، و قام الشيخ لبعض أمره و لما عاد وجد القوم ما يزالون يبكون ولم يجد مصحفه ، و استحى أن يسأل أين ذهب المصحف ، فأخذ يعظ الناس عن مساوئ السرقة و العذاب الذي ينتظر اللصوص في الآخرة و كلما زاد في الوعظ زاد الناس في البكاء ، فطفح الكيل بالشيخ و قال كلكم تبكون من شدة التأثر فمن إذن الذي سرق المصحف"
أنتم أنتم فلماذا ترقصون و بماذا تفرحون ، بنقص أعماركم عاما و اقترابكم من نهايتكم خطوة أخرى ...
قبل أن أغادر عذرا إن أخرتكم عن حفلة هاني شاكر ، أو أخرت زوجاتكم عن التبرج حتى يرقصن في مواخير أخر الليل أمان السكارى و المقرنين ..
لست أنا من يقول إنه العام 2017 يقف في الأفق الغربي بصق في وجوهنا ثم تابع سيره بعد أن بهدلنا ، و سمعته يتمتم و هو يضع يديه خلف ظهره " لقد أسمعت لو ناديت حيا و لكن لا حياة لمن تنادي " و كأني أبصرت الوسطى في إحدى يديه تتحرك.