-1-
من وصايا الحب طويل الأمد، أو المُعمّر، أن يترك كل طرف للآخر مساحة خاصة، أو أرضا محررة من أي مشاعر، يتحرك فيها بحرية تامة، دون مساءلة أو مُلاحَقة، يتنفس فيها وحيدا، ودون تأثير من الشريك، ومثل مساحة كتلك، تتيح تجريب الفقد المؤقت، وهي ممارسة تشعر المحب بمدى حاجته لحبيبه في حال غيابه المؤقت، وهي تدريب حي على احتمالية الفقدان الدائم، وقد تعمل عمل المطعوم في عالم الطب، حيث يحقن الإنسان السوي بفيروس ضعيف لمرض ما، لتمكين الجسم من بناء مناعته، حتى إذا هاجمه فيروس قوي، تمكن من التغلب عليه! -2-
الحب لا يُبحث عنه، فهو الذي يبحث عنا، وحينما نجده، نبدأ بالتذمر منه، أو ننشغل عنه بالمشاحنات والفلسفات، أو الدفاع عن وجهات نظر قد تودي به، باختصار، بدلا من أن نعيشه، ويعيشنا، نحتال عليه، ونقتله بحجة المحافظة عليه، تاليا بعض الوصايا، للتعايش مع حب طويل الأمد يعيش أعمارا كثيرة، لا عمرا واحدا، حب معمر فعلا، لا نزوة عابرة، أو هبة عاطفية!
-3-
ومن وصايا الحب المُعمّر، الذي لا تنتهي «فعاليته» سريعا، يجب أن لا يعد طرف على الطرف الآخر أنفاسه، فيرصد حركاته وسكناته، ويؤول كل ما يصدر عنه، ويحمله ما لا يحتمل، بل يكون في بحث دائم عن مبررات له، ويجد له العـذر فيما يفعل، طبعا في إطار المعقول والمنطق، وبما لا يمس أساسيات العلاقة، وما يقوضها من الجـذر!
وهنا لا بد من بعض التفصيل، فالغيرة والملاحقة والرصد الحثيث، يتعب القلب، ويزرع الشكوك، والأصل في العلاقة الثقة، والمبالغة بالغيرة تهدمها، وتولد المشاحنات، وعليه، فلا بد من غض الطرف عن الهنات والسقطات الصغيرة، والتسامح معها، كي لا تتحول إلى انفجارات تهدم المعبد على ساكنيه!
ومن هذه الوصايا، أن يحرص كل فريق على إعطاء الفريق الآخر أحلى ما عنده، وتجنب الشكوى غير المثمرة، بحجة البوح، ولا يعني ما نقول أن يضرب المحبون عن مشاركتهم في بث الهموم، وتفريغ شحنات النكد، بل الاقتصاد في الأمر كي لا تتحول المشكلات التي يواجهها كل طرف هي المادة الأساسية للحديث المشترك، فتضيع الأوقات السعيدة، ولا يتسع لها وقت المحبين!
-4-
هذه جملة من الوصايا القديمة، وجدت أن أحدهم سرقها بالكامل، ووضعها على صفحته في فيسبوك، دون أن يرف له جفن، أو ينسبها لصاحبها، أحببت أن أعيد مراجعتها لأكثر من سبب، لعل أهمها تثبيت نسبتها، إضافة إلى التذكير بما ورد فيها من معان، في وقت أصبح الحب فيه ممارسة مبتذلة، عمره من عمر الورود، فهو لا يعيش إلا بمقدار ما تنقضي النزوة، وهو ما يسيء لهذه العاطفة السامية، ويحولها إلى شيء مقيت!
خارج النص:
سرعان ما يطير من الشباك إذا ما دخل من الباب ما يرهق القلب ويشغله عن ضخ الدم في العروق، كخراب مضخة المياه، أو حلول فاتورة كهرباء كبيرة، أو نفاذ جرة الغاز، أو تعطل المكنسة الكهربائية، أو انقطاع الانترنت!
أخيرا... نحن، كلنا، في رحلة دائمة، للهروب، إلى ملاذ ما، وثمة منا، من يهرب من ملاذه! طوبى لمن لاذَ بمن/ أو ما يُحب، ولا يَدري حينَ يُرَبّتُ على كَتْفٍ ما، أهي كَتْفه أم كَتْف الحَبيب!
الدستور