(إلى ضابط الصف "علي" من وحدة الأمن والحماية الخاصة الذي ظهر في صورة وهو يقف خلف المطرب تامر حسني في وظيفته في المطار )
يا "علي" أقرأُ في وجهك الذي فيه سُمرة تشبهُ تراب بلادنا وتشبهُ ملامحنا نحن الفقراء ، ربما أنتَ من مادبا أو القويرة أو ربما من الرمثا أو الهاشمية ، حتى عروق يدك تشبه زيتوننا يا علي ، حتى عيونك فيهنّ بأس الرجال وخجل الأردنيين وعنفوانهم... أقرأُ في وجهكَ الكثير من الاستغراب وأنتَ واقف بحكم وظيفتك في المطار ، فلا تستغرب يا صديقي هذه الجموع وهي تستقبل هذا المطرب ، ولا تخف من صراخ الصبايا ودموعهنّ وهُنّ يحشرنَ أنفسهنَّ ليحظينّ بحضنة من ذاك المدعو ، ولربما قّبُلة إن تمكّنت منه جيدا، ولا تجزع من صفير الشباب ومزاحمتهم لينالوا صورة معه .. أعرفُ حجم استغرابك وأدركُ مدى خجلكَ من هؤلاء ولكنُه هو قدسيّة الواجب أن تقف وتسّهل له الخروج وهو يستقبل "استقبال الفاتحين" ....!!
يا "علي" ، خبئ دموعكَ إنه زمن التفاهات والرخص عندما يقدّم هؤلاء ويحظوا برعاية رسمية ، وأنتَ منّا وتشبهنا وتبكي مثلنا وطنا أرغموه رغم طهره على العهر نهارا ، وسمحوا للفاسدين أن يسمسروا على كل شيء في بلدنا ، باعوا كل شيء ولم يخجلوا من الله ولا من الناس .. أرى في عينيك معاني كل الحزن وأنتَ تشاهد كل ذاك السخف والخنوع ، وأنتَ من تعلّمتَ في العسكرية في مدارج "خو" وميادينها ومعسكراتها ، الاعتزاز والفخر والمشي باستقامة ، وأن الفقر ليس عيبا وأنك أنت وزملائك مشاريع شهادة ، ولكن للوطن وللذود عنه والدفاع عن ترابه ... وتعلّمتَ في بيت أبيك على الشهامة والنخوة ، وأنكَ تغض طرفك عن بنت عمكَ وجارتكَ ، وأنكَ تسكبُ دمك دون من يمسّهنَ ولو بكلمة ..!! لكن تسأل مثلي هل هؤلاء هُنّ بنات الأردن والأرياف والقرى اللواتي تكحلنَ بالخجل والحياء ، واللواتي لا ترفع عينها بأبيها احتراما، هل هُنّ هؤلاء اللواتي يرمين بأنفسهن بحضن ذاك المطرب ... لا هؤلاء ليسوا منّا..!
ربما يا "علي" لم تكمل تعليمكَ ، وربما تقتطع من راتبك كل شهر لتعلّم شقيقك الأصغر ، فالأردنيون بنوا وطنا من لا شيء عندما تعلّموا وآمنوا أن العلم يبني البيوت بلا عمد ، الشباب الأردني ليسوا هؤلاء من شاهدتم اليوم ، نحن الأردنيون الأكثر تعليما وتشهد مدارسنا وجامعاتنا ، لكن في زمن الحكومات الرديئة قتلوا كل طموح لشاب وخنقوهم بالبطالة والواسطات ، وهاهم مع جماعات الصوت العالي من المنظمات يرسخون القدوة من خلال الفن الهابط ومحاربة الكفاءات وتغيير الفكر المعتدل ، وتهديد منظومة الأخلاق والتربية ، مرّة باسم تعديل المناهج ، ومرّة بمكافحة التطرف ومرّة باسم "الدولة المدنية" والتجرّؤ على كسر التابوهات وقيم " المحافظة " ... ثم نعود ونتساءل من هؤلاء الذين استقبلوه ...؟!!
هل تصدق يا "علي" أن تذكرة حفل ذاك المدعو 800 دينار ، في دولة تعاني من 30 مليار من الدين ، وأغلب قراها من جيوب الفقر ، وفي دولة ترتفع كل عام موازنة صندوق المعونة ، وفي حكومة ترفع الدعم عن خبز الفقراء وترفع الضرائب على كل شيء ، أليس هناك خجل من الله ومن الناس ، وندعو أن ترجع القدس وهذا الغثاء والفساد حولنا .
يا "علي" كُن كما أنتَ ، وأعرفُ أنكَ منذ أيام لم تنم كرامة للواجب ومخافة أن تغفى عينك عنه ، أنتَ الحق ونحن معك ، وأنتَ الكبير النقي الصادق حتى لو مرّوا من عندك ولم يسلّموا عليك فهم يخافونك ، ويعرفون إن مسَ الوطن شيئا -لا قدر الله - يوما سيلوذون بكَ وحدكَ يا مصدر ثقتنا وفخرنا وبقيَة أهلنا وحامي هويتنا ووجداننا نحن الأردنيين .