لا مُصْعِرِينَ ولا أَصَاغِرَ مِيلا ..
د. نضال القطامين
28-12-2017 01:57 AM
في ظلال عاصفه القدس التي أبانت معدن الأردنيين الصادق النفيس، وفي ظل موقف القيادة الهاشمية الاسلامي العروبي البائن بينونة الشمس، ومع التناغم الكامل في مواقف الدولة الأردنية قيادة وشعبا، تبرز بموازاة هذا الموقف المجيد تحديات عديدة على المملكة، اقتصادية وسياسية، يقتضي معها تمتين الجبهة الوطنية الداخلية، والوقوف بنيانا مرصوصا إزاءها، وليعلّم الأردنيون كل الدنيا كيف تقف دون رأيك في الحياة مجاهدا، فإن الحياة عقيدة وجهاد.
على مر العقود، كان الأردن مركزا إقليميا مهما في السياسة والاقتصاد، وكان على اختلاف الأزمات العاصفة في المنطقة رقما صعبا لا يمكن تجاوزه. لقد منحته القيادة الحكيمة والشعب المثقف المتقدم ايدلوجياً والتاريخ العريق الذي احتضن الممالك والامبراطوريات، تميزاً فريدا وموقعا جيوساسي مميز، وأهلته لاحتلال دور اقليمي ودولي متقدم.
وعلى مر العقود، فقد واجه الأردن أزمات سياسية واقتصادية كبيرة، لكن أمواجها العاتية تحطمت على صخور التكاتف والتعاون ونكران الذات لصالح الوطن واستقراره وازدهاره، ولم يكن موقف الأردنيين على الدوام سوى الانحياز للوطن وفداؤه بالمهج والأرواح.
لقد قبل الأردنيون في أزمة الخليج التي حوصر فيها وطنهم، بكوبونات السكر والحليب حين كانت شركة لويدز تمنع دخول البواخر الى خليج العقبة، ورضوا بنظام الأرقام الفردية والزوجية لحركة السيارات حين كان النفط ممتنعا، لكن قلوبهم لم تبلغ الحناجر لا خوفا على هذا الحمى العربي ولا قلقا، ولم تزغ منهم العيون حين زاغت أوطان وتناثرت كحفنة رمل في مهب الريح، ولم يزدهم الثبات على المبدأ إلا منعة وقوة، وبقوا مثلما كانوا، لا مصعرين ولا أصاغر ميلا، وكانوا في عتمة الازمات يلملموا ما بقي عندهم من زاد ويتقاسموه مع كل الأشقاء المهجّرين والنازحين واللاجئين، وكان هذا الوطن في كل هذه الظروف، عروبيا متصالحا مع نفسه ومع أشقائه، لا يضع شرطا لا على الترحيب بهم ولا على تقاسم المؤونة معهم، لكنه في كل الأحوال كان يضع شرطا على الغضب ويعالجه بالعتب، وبقي هذا الوطن على مسافة واحدة من أشقائه وإن ضنّوا عليه بالحلم.
تمضي الدولة الأردنية في رسالتها الانسانية والاسلامية والعروبية الخالدة، لا تلتفت للوراء، ولا تنظر بعين الغيظ لأحد، ولها في ذلك أن تبحث عن مصالحها بالدرجة الأولى، وهي ذات المصالح والمنافع التي سخّرتها للأشقاء والأصدقاء، فكانت شهداءً في القدس والجولان، وكانت هجراتِ قسرية ضاعفت أعداد السكان وضغطت بشكل موجع على البنية التحتية، وكانت مواقفا عالمية خالدة يذكرها العالم كل يوم، لكن الاهم من ذلك هو وسطية هذا الوطن واعتداله مع كل الاشقاء والأصدقاء، وهي الميزة التي امتهنتها المملكة قيادة وشعبا والتي تؤكد عليها في كل سياق وكانت الرسالة الأردنية على الدوام، أن ليس لنا مصلحة في الخلاف مع أحد.
ستمضي الدولة الأردنية في رسالتها الخالدة، ولها في ذلك قيادة حكيمة، أرست على مر السنين قواعد التوازنات الإقليمية والدولية، وكانت بيضة القبان في كل أزمة وفي كل عاصفة، واستندت في ذلك على موروث عميق من الحكمة والشرعية، وعلى التفاف كامل من الشعب ووعي صادق وعروبة كاملة، ولها في سبيل إنفاذ رسالتها الموسومة بالوسطية والاعتدال، أن تبحث عن الشقيق والصديق وتقرّبه، وستبقى علاقته بأشقائه العرب كلّهم كما كانت، علاقة الأخ بأخيه، وستحتفظ الدولة الأردنية بعلاقاتها مع أصدقائها الذين لهم تاريخ جدير بالاحترام من المساعدات والدعم والمواقف المشتركة، ولا يعيبها في ذلك شيء، ولا يمنعها أحد، ومؤكد أن كل تحرك في هذا الإتجاه لا يُقصد به أحد ولا يستعدى على أحد، والأردنيون من طبعهم الوفاء والعرفان، لا ينسون من أحسن ومد يد صدق ومودة ولهم في تاريخهم نماذج مشرّفة كثيرة.
على إنه بموازاة العمل بشكل أساسي على تمتين الجبهة الداخلية وتقويتها، فمطلوبٌ من مؤسسات الدولة وخصوصا مجلس الأمة والحكومة، أن يكون عملهم وطنيا خالصا يحفّه التعاون والتشاركية وتحديد الاهداف الوطنية ذات الأولوية، بينما على الحكومة أن تنهض بشكل فوري للبحث في خيارات اقتصادية ناجعة تخفف من الحمل الثقيل الواقع على الشعب، ولها في ذلك مفاتيح عديدة ليس آخرها تشجيع الاستثمار وتطوير بيئة الاعمال لتوليد فرص عمل، فضلا عن إحلال العمالة الوطنية المدربه محل الوافدة، على أن تكون فزعتها بحجم الوضع الاقتصادي المقلق، وستجد حينئذ من الناس فزعة ونخوة وعونا.