حين ترمي لوحا من الزجاج على الأرض , فهذا يعني أنه من الصعب عليك إعادته لما كان عليه, لأنه حتما سيتحول لشظايا.. صغيرة وأخرى كبيرة, ويصبح مؤذيا وبالتالي عليك التخلص منه.
نظرية الزجاج تنطبق على الدول:- ففي إسبانيا مؤخرا أفرزت أزمة إقليم كتالونيا, وجود شرخ ثقافي سياسي وديمغرافي , حتى لو فشل الإستقلال إلا أن جولة اخرى من الصراع قادمة لامحالة.. في العراق أيضا مازال الأكراد ينظرون لأنفسهم على أنهم مكون سياسي مختلف ثقافيا وعرقيا وله شخصية مستقلة.. وحلم الدولة الكردية المستقلة سيعود حالما يلوح الأمل ..
ألمانيا مرت بمرحلة التقسيم هي الأخرى , واليمن الان في حالته السياسية هو مقسم لجنوب وشمال , وسوريا كانت على مقربة من التقسيم لولا التدخلات الإقليمية والروسية التي حالت دون ذلك.. حتى مصر في مرحلة من المراحل هددت بالدولة القبطية المستقلة.. حتى ليبيا الدولة الصغيرة في حجم السكان والكبيرة جغرافيا واقعها الان مقسم بين (شرقي وغربي) بين بنغازي وطرابلس ..لبنان أيضا على صغر مساحته مقسم ديمغرافيا, بين سنة وشيعة. بين موارنة ودروز وتشكيلته السياسية شئنا أم أبينا هي قائمة على المحاصصة الطائفية..
تركيا الدولة القوية وذات النفوذ في المنطقة, هي أيضا غير بعيدة عن هذا الكابوس فالأكراد في جنوبها يشكلون ثقلا سكانيا هائلا وحتى داخل الأكراد هنالك العلوي والسني , وما زالت تقاتلهم في شمال سوريا وفي جنوبها, لأنها تصفهم بالإنفصاليين..
الأردن هو الدولة الوحيدة في العالم , الذي في (20) عاما فقط مابين 1951- 1971 استشهد منه ملك و(3) رؤساء وزارات:- الملك عبدالله الأول على عتبات القدس , وابراهيم هاشم في العراق , وهزاع ووصفي التل ..وخاض (4) حروب طاحنة.. ومرت عليه مؤامرات قاتلة.. كل شيء طرح في الخفاء, إلا شيئا واحدا وهو: التقسيم.. لأنه بصراحة لايشبه لوح الزجاج.. يشبه إلى حد بعيد لوحا من الحديد الصلب تستطيع أن تقذفه عن أي ارتفاع.. وأنت مطمئن أنه سينثني قليلا ربما لكنه لاينكسر ..
ثمة دول في المنطقة بالرغم من قوتها إلا أنها هشة, عند أول منعطف يطرح تقسيمها, إلا الأردن.. فهو الوطن الوحيد في الدنيا الذي يكمل شماله جنوبه ويتناغم فيه الفلسطيني مع الأردني , وينصهر فيه الشيشاني مع الشركسي من أجل بناء الدولة.. والمسيحي شريك في صناعة تاريخه بنفس حجم المسلم..
أخطر اشكال المؤامرات في العالم هي التقسيم, فهو يعني إنهيار وطن وشطب تاريخ, وتمزيق نسيج إجتماعي.. لهذا حين ألمح حجم المؤامرة التي تحاك علينا, وحجم ما نعانيه من نكران وصد.. وتهميش, أقرأ قليلا من التاريخ.. فهو يعطيك إجابات شافية عن المرحلة.. وأهم تلك الإجابات: أنهم مهما فعلوا مع هذا الوطن إلا أنه سيبقى واحدا موحدا.. لايقسم ولايشرذم ولايفتت.. أما الاخرون فهشاشتهم المخفية, أكبر من حجم قوتهم المرئية..
ربما سيأتي زمن على المنطقة تتطاير فيه الكثير من ألواح الزجاج.
الرأي