إعادة النظر في تحسين الجودة في التعليم العالي
أ.د نادره جليل صويص
27-12-2017 12:19 PM
على مدى السنوات الماضية لاحظنا ازديادا في التحديات التي تواجه الجامعات الأردنية. وقد كتب العديد من المقالات في وسائل الإعلام الأردنية ووسائل التواصل الاجتماعي، استعرض خلالها كُتابها حجم القلق على ما آلت إليه حال التعليم العالي في الأردن. فبالإضافة إلى العوامل الأكاديمية الداخلية فان التحديات المالية وعدم الاستقرار السياسي في منطقة الشرق الأوسط، يزيدان الامر تعقيدا حتى أصبح القلق والخوف من المستقبل والاحباط الاكاديمي أمورا لا يمكن تجاهلها وخاصة مع القرارات الأخيرة لتغيير القيادات في العديد من الجامعات في الأردن.
ففي ظل الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة يصبح الحفاظ على ميزانية جيدة شبه مستحيل مما يحتم على المؤسسات الأكاديمية التنازل عن الجودة والنوعية في التعليم فيصار إلى زيادة عدد الطلاب وزيادة الدخل عن طريق الرسوم الجامعية خاصة عن طريق التعليم الموازي .
عندما التحقت بكلية الطب في عام ١٩٨٤ كان عدد الطلاب في دفعتي ما يقارب ٦٤ طالبا في حين يبلغ عدد طلاب الطب حاليا في كلية الطب في الجامعة الأردنية ما يقارب ٥٠٠ طالب. وكذلك الحال في معظم كليات الطب في الأردن ناهيك عن الاعداد الهائلة من الطلاب الذين يدرسون الطب خارج الأردن. كان لي شرف أن ادرس طلاب الطب على مدى السنوات ال٢٧ الماضية في الأردن وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وانا افتخر عندما ارى العديد من طلابي يعتلون منابر الطب في الأردن وفي أمريكا. لقد كان لي الشرف في الثلاث سنوات الماضية ان أساهم في تدريب طلاب الطب الذين يزورون الولايات المتحدة لمده شهر اختياري من اجل زيادة خبراتهم الأكاديمية وتحسين نسبه قبولهم في برامج الإقامة في أمريكا، وقد لاحظت خلال السنوات الماضية ضعفا في المستوى الأكاديمي ومعايير الجودة التي يتم من خلالها تخريج أطباء المستقبل وهذا لا ينطبق على طلاب الطب في الأردن فقط بل هي مشكله عالمية رغم ان طلاب الطب عموما يتميزون بالذكاء والعمل الجاد.
ان ما يحدث من تطور في التعليم الالكتروني لا يمكن ان يكون بديلا للتعليم العملي والخبرة المكتسبة التي لا يمكن ان تقدم
لطلاب الطب ضمن الظروف الحالية. لا شك ان هنالك العديد من التحديات التي تواجه رؤساء الجامعات وأعضاء هيئه التدريس في التعليم الطبي وغير الطبي. وفي حين أن هذه الثغرات موجودة في معظم أنظمة التعليم الطبي في العالم،
فإن هذه الثغرات أكثر أهمية في السنوات الأخيرة بين طلاب الطب المتخرجين من الجامعات الأردنية
ان الاستثمار في التعليم الطبي أمر بالغ الأهمية حيث أننا لا يمكن ان نتهاون فيما يتعلق بالتعليم الطبي المبني على أسس أخلاقية وانه ليؤلمني ان ارى ما وصل اليه حالنا من فقدان الثقة في القطاع الطبي واسباب ذلك قد تكون متعددة لكن آثارها سلبية على قطاعات مختلفة بما فيها الاقتصاد الوطني فهنالك العديد من الدراسات التي تثبت الصلة بين قوة النظام الطبي والاقتصادي وليست السياحة العلاجية والتي تعتمد على وجود كوادر طبية متمكنة إلا أحد الأمثلة على ذلك. هذا ونلاحظ ان انخفاض جودة التعليم لا يقتصر على التعليم الطبي وحده بل يتعداه إلى كثير من التخصصات الأخرى. إننا نعيش في عصر يترتب علينا فيه اتخاذ قرارات صارمة في أوقات عصيبة وفي عالم ابعد ما يكون عن المثالية وبالتالي، لن يكون هناك قرار واحد يتكفل بحل جميع المشاكل ولن يحصل أي قرار يتخذه مجلس التعليم العالي على موافقة جميع الأطراف، والصعوبات التي نواجهها حاليا تجعل من الصعب للغاية اختيار قادة جدد كرؤساء للجامعات الأردنية. كان الله في عون وزارة التعليم العالي وفي عون رؤساء الجامعات في هذه المرحلة المليئة بالتحديات . ان هدفنا هو رفع معايير التعليم العالي في الأردن، واستعادة ثقة الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين هم في مرحلة من فقدان الثقة والاكتئاب الأكاديمي. ليس هناك شك في أن تحسن التعليم والبحث العلمي سينعكس على الاقتصاد الأردني . ان القرارات التي يتخذها القادة لها تأثير كبير واثار نفسية قد تؤدي الى الاكتئاب النفسي والأكاديمي وقلة الحماس للبحث العلمي مما يشكل تهديدا رئيسيا للتعليم العالي فالصحة الجسدية والنفسية لرؤساء الجامعات وأعضاء هيئة التدريس ضرورية حتى نستطيع ان نبني جيلا مستقبليا سويا أمينا على تأدية الرسالة.
ان العمل الجماعي والتعاون المشترك كفيل بان يحول تحدياتنا الى قوة ، ما دمنا نؤمن برسالتنا التعليمية لن تهزمنا التحديات.
والله ولي التوفيق