يوميات اردنية: مصر والمصريون
د.سيما كلالدة
26-12-2017 01:26 AM
في زيارة لمصر الشقيقة حديثا للتعرف على ثقافة وتاريخ مصر العريق
زيارة سبقها شوق وتعطش لما سنرى ونسمع ونلمس ونشعر
وكانت القائمة طويلة لا تكفي للمدة المحدودة لزيارتنا فاضطررنا للتنازل عن بعض الاماكن، بوعد زيارتها في المرة القادمة.
طبعا على رأس القائمة الاهرامات وابو الهول..................
يا عيني، لو بقيت صورة الاهرامات في ذهني كما رسمتُها وابقيتها ارجعُ لها محفوظة في زاوية من مخيلتي لا تلوثها الحقيقة.
وفي الطريق الى الاهرامات، نمر عن احياء فقيرة تعيش بين اكوام القمامة و الروائح الكريهة، لنصل الى مكان تجمُّع الدواب والعربات .
ويا عيني على المنظر و الروائح.............
كل هذا كوم‘ وجموع السماسرة الذين ينقضُّون على السياح (المهابيل) كوم. فيبدؤون في المساومة على سعر المركبة في حرفة امتهنوها وامتهنوا اساليبها على مدى عقود لن تقوى انت السائح المسكين حتى على الصمود امام هذه البراعة ،و تهمُ تنوي ان ينتهي الموضوع بسرعة كي تهرب من المكان ورائحته.
فيقول السمسار: يلا يا عم انت كريم واحنا بنستاهل عاوزين ناكل لحمة ، ما اكلناش من زمان قَوي.
و يقول السمسار الاخر: يلا يا عم سيب الضيوف، اصلهم ناس اكابر قوي، عاملهم كويس.
ويرد عليه اخر: قِيب للجماعة بيبس او زهورات، عاوزين اي؟
نرد : مش عاوزين حاجة، احنا بدنا نروح الاهرامات.
و طبعا كلها مسرحية منسوجة باتقان و فهلوة وخفة، ابو ابو هوليوود ما طلَّعوا زيها.
ويسمع السمسار الجواب المُراد : يلا اعطيه الفلوس خلينا نطلع من هون(وهو المطلوب).
ونصل الاهرامات ويا للمفاجئة.................. اذا برتل اخر من السماسرة و البائعة يلحقون بنا خصوصا عند معرفتهم اننا من الاردن ويردد السائق : الاردن اقدع ناس و امريكا شنط وكياس.
وينغم اغنية على هذا المناول ويرددها ونحن نضحك و نضحك ،ويا للاسف......
يا اسفي على الاهرامات، و قلوب الحب والاسهم والاسماء على الجدران داخل الهرم. اكيد الذي كتب احمد يحب فدوى ورسم سهماً يمر في اسم احمد و فدوى لا كان خفرع او منقرع.
وطبعا الفلم نفسه يتكرر عند ابو الهول ويذوب وقار ابو الهول امام التغاهات والمراددات التي حتمت على المصرين المقايضة بين كرامتهم ورزقهم.
هرولنا هربا بعد ان( برينا ذمتنا) بان زرنا الاهرامات واتجهنا الى المتحف المصري.
طبعا، يشعر السائح بانه متجه الى ثكنة ففقد المكان سحره وجماله. طبعا المتحف المصري بناه الفرنسيين ويبدو ذلك واضحا من الفن والذوق المعماري المستخدم، والذي للاسف لم ُيترجم الى عناية ونظافة. وطبعا لا يُنصح بدخول المتحف دون دليل سياحي وهم كُثر متراكمين على ابواب المتحف ينتظرون لقمة العيش. كانت تجربة رائعة بمعنى الكلمة تكشف عن تاريخ اروع وقصص وخيال فوق الخيال.ولكن بالتائكيد هنالك تقصير كبير فممكن ان يكون هذا المكان افضل من ناحية خدمات فاذا قارنته بمتحف اللوفر او المتحف البريطاني شتان ما بين، مع ان كثير من قطع تلك المتاحف مائخوذة من مصر.
و تاتي فترة الغداء ويتناقش الجميع على ضرورة تجربة السمك فالذي يزور الى مصرعليه ان يجرب السمك، وناكل سمك (ونبري ذمتنا) اننا اكلنا السمك في مصر.
وفي الطريق الى قلعة صلاح الدين الايوبي نمر عن كوبري ستة اكتوبر واذا نظرت الى الاسفل ترى امم تعيش ولا تدري كيف تعيش بين القبور والقمامة ومع الدواب.
واينما تذهب، يصادفك عراقة وتاريخ وحضارة. فتلمس حائط الجامع الازهر(عمره الف سنة) وتجلس في قهوة الفيشاوي، وتتسلى في جامع محمد علي، وفي خطى صلاح الدين الايوبي، و تنظر الى مهد السيد المسيح، وترى عين موسى، وكلها أُسدلت عليها ستارة من الفوضى والاستهتار والفقر افقدتها هيبتها ورونقها.
وتمر عن مستشفيات وجامعات عظيمة تخرج منها وتدرب فيها كثير من النخب الاردنية.
وفي مسجد السلطان حسن حيث دُرست مناهج المذاهب الاسلامية الاربعة، يَهم الامام الى الصلاة ويصدى الصوت كما لم اسمعه من قبل، فيُضفي هيبة ووقار على المكان ،و الكل خانسٌ مُطأطأ الرأس انحناء واحتراماً لكلام المولى عز وجل، فتدمع العين خوفا ،وتدمع العين وينفطر القلب حزناً على مصر.
فمن كان سببا حتى اصبح جموع من المصريين سماسرة ومتسولين وجائعين حتمت على المصرين المقايضة بين كرامتهم ورزقهم........؟
من رسَّخ في افواه المصريين كلمة يا بيك ويا باشا.......؟
ومن نقل بلد عبد الناصر والسد العالي والازهر الى بلد مديون يترزق ابناؤه في كل البلاد الا بلدهم ومع ذلك يبقون على خفة دمهم واللسان الحلو والكلام اللطيف وجدية العمل...........؟
نرفع قبعاتنا الى شعب مصر العظيم ورثتم تاريخ لم يكن اعظم من ولا اقدر من ان يكون ملكا للمصريين.
نعم.....
مصر ام الدنيا و انتم ابنائها.
والله انتوا القدعان....