ونحن نبحث في تطوير الثانوية العامة
فيصل تايه
25-12-2017 10:49 PM
أيام معدودات ويبدأ مجددا امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة بدورته الشتوية وبوقائعه وأحداثه وشخوصه، والمستهدف لأبنائنا الطلبة وبسيناريو من نوع خاص وباحتياطات إجرائية لحماية الامتحان وأمنه ليضاف ذلك إلى مجمل الإجراءات الاحترازية كي يسير الامتحان كما خطط له، لكن نسبة كبيرة من طلبتنا الأعزاء ما زالت تستهويهم شهوة النجاح من أجل النجاح فقط وبأي ثمن كان بغض النظر عن صوابية تلك الاجراءات ..
اذن ستبدأ الجولة الأولى من امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة للعام الدراسي ٢٠١٨ م ، واغلب الأسر الأردنية تعيش حالة طوارئ تتوجسهم الخيفة والتوتر المصاحب لأيام الامتحان دون اي مبرر موضوعي أو ذرائعي ، فتكرار المنهجية التقليدية المفروضة على الطلبة بمنطق مستهلك سيصبح في طي النسيان ، حيث بدأت وزارة التربية والتعليم بانتهاج سياسات جديدة بمنهجية حديثة تأخذ بالتحولات الاجتماعية ومنطق حسابات التفكير الأدائية والجوانب المهارية وحتى مهارات التفكير الناقد والإبداعي والاستدلالي والتي أصبحت بحكم التغيرات التربوية الحديثة مطلب يفرض نفسه ، في ظل متغيرات معلوماتية وتكنولوجية ضرورية ، الا ان ثقافة المجتمع والاهل والطالب السائدة ما زالت تحمل الأفكار التقليدية المستهلكة المتعلقة بمستقبلهم الدراماتيكي الذي يعتمد على تحصيلهم التراكمي في الثانوية العامة ، وحسب مقدرة كل منهم على الحفظ والتذكر ليصبحوا -أعانهم الله- مسيرين إلى مستقبل مجهول يُفرض عليهم بمنطق التنافسية (العادلة) في الجامعات ، والتي توجه مصير ابنائنا نحو مزيدا من البطالة الهيكلية ، بعيداً عن تلبية حاجاتهم وطموحهم ورغباتهم ، فالعصف التساؤلي هو الذي يعيد الطريق نحو هذا المنطق المستشري .
لكن الشراكة الحقيقية التي أعلن عنها كل من وزيري التربية والتعليم الدكتور عمر الرزاز ووزير التعليم العالي الدكتور عادل الطويسي أجابت اجابة كافية على ذلك العصف التساؤلي وفتحت الطريق الى مسار صحيح يلبي كل الحاجات ، فقد تشكلت من خلال خطة اصلاح الثانوية العامة حلولا جذرية منطقية واعتبرت مخرجات التعليم العام هي مدخلات للتعليم العالي والتي يجب تتم في إطار من التشاركية في ضمن الخطة الوطنية الشاملة لتطوير العملية التربوية، والتي تحظى برعاية وتوجيه ملكي مستمر.
لقد اعادت وزارة التربية والتعليم حساباتها المتعلقة بالثانوية العامة منذ تبوء وزير التربية والتعليم الدكتور عمر الرزاز صاحب الفكر التنويري المنفتح ، خاصة وان وزارتنا العتيدة أكدت باستمرار أن لا سبيل إلى الارتقاء بالثانوية العامة إلا عبر إعادة النظر في المنظومة الحالية ، وجميعنا أدركنا أن الوزارة عازمة على المضي قدماً في ذلك ، بقصد الوصول إلى صيغ جديدة وتغيير قائم على أسس علمية ومداخل تقنية معروفة كالتخطيط الاستراتيجي أو الجودة الشاملة أو إعادة الهندسة أو إدارة المعرفة أو إدارة الإبداع أو الإدارة بالأهداف وما إلى ذلك ..
إننا نعي تماما أن مؤسستنا التربوية الرسمية تخشى أن تواجه الكثير من التحديات التي تفرضها طبيعة التغيرات خاصة المتعلقة منها بالثانوية العامة ، ونعي أيضا أن الأمر أكثر من انتهاج مداخل القصد من ورائها أي تغيير منشود ، بل ومن الضروري أن يرافق ذلك تهيئة مسبقة للمجتمع الأردني بشكل عام والمجتمع التربوي بشكل خاص ومجتمع التعليم الثانوي بشكل أكثر خصوصية وهذا ما لقى ترحابا وقبولا واسعا على كافة الاصعدة ، وهذا ايضا ما سعت بالفعل وزارة التربية والتعليم لتحقيقه .. فكثير من التجارب التي كان هدفها النهوض بالثانوية العامة خاصة في دول الجوار كان مصيرها الفشل رغم جودتها ، إلا أنها لم تراع أبسط أبجديات التغيير المتمثل في التهيئة المسبقة وعدم إحداث التغيير بشكل فجائي وعشوائي ، ومن وجهة نظري الخاصة أجد حتماً أن الإعلام الرسمي يجب أن يمارس فيها دورًا كبيرًا خاصة في توضيح الصورة الجديدة لمنهجيه العمل في تطوير الثانوية ويكررها باستمرار.
أما فيما يتعلق بالمنهجية التقليدية المتبعة للتحضير الجيد للامتحان ذلك ما يستوجب إعداداً للقاعات ولجان المراقبة والتصحيح والفرز وما إلى ذلك من طرق الهدر التربوي ، وفي ذلك دعوني أتساءل : لماذا لا تجري عملية أتمتة لامتحانات الثانوية العامة.. ولماذا لا تكون منهجية امتحانات الثانوية العامة معتمدة على مجموعة من وسائل التقييم الحديثة المستندة إلى قواعد إجرائية واضحة ترقى إلى مستوى عال من التطور والتقدم لتقييم أداء الطالب بما ينسجم وطموحة وآماله ونسايره في تحصيله الدراسي عبر مرجعيات تقويم أو بنوك أسئلة مقننة الخصائص السيكومترية باحتراف؟ تمامًا كما في اختبارات التوفل وغيرها ، وفي مقابل ذلك يكون هناك اختبارات للقبول في الجامعات ليقبل الطالب وفقها بناء على محكات تختلف باختلاف الكفايات المطلوبة لكل تخصص ، بحيث تصبح معايير القبول مركبة من اختبار الثانوية بالأليات الجديدة التي ستعتمد ، واختبار القبول في الجامعة ، بالإضافة إلى اختبار القدرات ، واختبار للاتجاهات والميول وغيرها من المتطلبات ، من هنا نجد ان المشكلة التربوية القائمة لدينا في الأردن المتعلقة بالثانوية العامة ستتحول من غاية اجتياز الامتحان الى غاية العلم والتعلّم ..
ان خطة الاصلاح الجديدة دعت إلى عمل تقييم شامل ومراجعة عامة للمرحلة الثانوية ، واعتماد المناهج الدراسية الحديثة المنبثقة عن المفاهيم الواضحة المعتمدة على بيداغوجيا تعليمية متطورة ، إضافة لإعادة النظر بأدوات التقييم المتبعة وبأساليب عصرية كما سبق وأشرت ، ومن وجهة نظري يجب التصدي للمناهج الخفية المكتوبة ( مناهج الظل ) التي تعتمدها المراكز الثقافية الربحية كبدائل قوية للمناهج الرسمية .
وأخيرا فإنني على ثقة تامة ان وزارة التربية والتعليم وأجهزتها المختلفة ستنجح نجاحا باهرا في خطتها ومنهجيتها الاصلاحية القادمة لان المسؤولية جاءت من أعلى المستويات وبقرارات مصيرية وتعاون كل الأطراف ذات العلاقة ، وبحماس من وزير التربية شخصيا الذي سيكون جادا في تطبيق خطة الاصلاح المصيرية للثانوية العامة وبكل همة ومسؤوليه ..!!
نسأل الله ان يأخذ بأيدي الجميع لأسباب النجاح من اجل تحقيق اهدافنا التربوية النبيلة .