التلفزيون الاردني .. وتوفر امكانيات الأبداع
26-02-2009 04:23 PM
بعد غزو الفضائيات للساحة الاعلامية ، وظهور فضائيات متخصصة بمجالات محددة ، وبالاخص الفضائيات الاخبارية العربية ، التي احتلت مراكز متقدمة ، طغت على الدور التاريخي لفضائيات اخبارية عالمية مثل ال CNN ، وجعلتها تتراجع الى مراكز خلفية ، على الاقل عربيا ، وبغض النظر عن الشبهات التي تدور حول اهم هذه الفضائيات ، وما تمارسه من دس للسم في الدسم ، ومن قدرات علماء النفس ، الذين كانت هذه المحطة ، نتاج دراساتهم على نفسية المشاهد العربي واحتياجاته ، فارتوى عطشه المزمن لحرية النقد والسب والشتم والصراخ ، برزت الخشية من تراجع التلفزيونات الوطنية العربية التقليدية ، امام قدرات هذه الفضائيات ، ومن بينها طبعا ، تلفزيوننا الاردني .
هذه الخشية كان لها ما يبررها ، وما زالت قائمة مستقبلا ، ان لم تستمر عجلة التطورالتلفزيوني ، وقد مرت فعلا سنوات عديدة ، شعر فيها الجميع بتراجع دوره الاعلامي ، من نشرات اخبار وتحليلات وبرامج حوارية سياسية ، رغم ان الاجواء العامة في الاردن ، وحرية التعبير المتوفرة ، افرزت المواقع الالكترونية الاخبارية الاردنية ، وفي مقدمتها عمون ، والتي هي بحق ، منابر حرية حقيقية ، شكلت انقلابا اعلاميا في حياة الاردنيين ، وساهمت في نشر الوعي السياسي ، الذي لم تستطع عشرات الاحزاب ومنذ عشرات السنين من تحقيقه ، فاكتسبت ثقة المواطن الاردني ، من سرعة نقلها للحدث ، وتسليط الضوء على كل الجوانب المخفية ، وسقف الحرية الكبير الذي تتمتع به ، والذي كان يثير الخشية لدى الكثيرين ، سواء من كانوا يبدون هذه الخشية بحسن نية ، خوفا على وحدة النسيج الوطني ، او بسوء نية ، خوفا من افتضاح امرهم ، وتضررمصالحهم ، لكن التجربة اثبتت نجاحها ، واتت اؤكلها ، ثقافة ووعيا والتزاما ، فاصبح هذه المواقع ، غذاءا ثقافيا توعويا يوميا للمواطن الاردني ، يمكن ان تغنيه عن متابعة كل وسائل الاعلام الاخرى ، انها بحق مفخرة اردنية ، عز نظيرها في الساحة الاعلامية العربية ، تلاشى كل ما قيل عن سلبياتها ، وتبشر بتوفر امكانية الابداع الاعلامي في الاردن .
اعود الى موضوع تلفزيوننا الاردني ، لاقول انه شهد بالفترة الاخيرة ، قفزة ايجابية كبيرة ، وبالاخص في مجال البرامج الحوارية ، سواء كانت تتناول قضايا سياسية او ثقافية او قضايا وطنية متعددة ، ويجب ان يكون نجاح هذه البرامج الجديدة، واستقطابها لنسبة كبيرة من المواطنين ، يجب ان يكون ذلك ، موطىء قدم ، للتقدم الى الامام في هذا المضمار .
لن اتحدث عن برنامج "وجها لوجه " ، وهو برنامج ليس بجديد ، يقدمه الاستاذ سميح المعايطة ، الصحفي المعروف بكتاباته اليومية ، وهو يتميز باحترامه للمشاهدين والضيوف ، وغيرته على الوطن ، وجرأته في تناول قضاياهم ، ولكني ساتطرق الى برنامجين اخرين ، احدهما برنامج ثقافي يقدمه الدكتور خالد الجبر ، ولا اذكر اسم البرنامج مع الاسف ، لانني لست من المتابعين بانتظام للتلفزيون، رغم بحثي عنه من خلال محرك البحث جوجل ، وقد حضرت منه حلقتين بالصدفة ، وشدني الأدب الجم لمقدمه ، واهمية المواضيع التي يتناولها ، واحترام المقدم لكل عناصر البرنامج ، اما البرنامج الثالث ، فهو برنامج "تحت القبة" ، الذي يقدمه استاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك ، الدكتور محمد حسين المومني ، وقد حضرت منه العديد من الحلقات ، وبالصدفة ايضا ، ما عدا حلقة الامس ، التي استضاف فيها الوزير السابق سمير الحباشنة ، والنائب احمد البشابشة ، حيث الزمت نفسي بحضور البرنامج ، بعد ان قرأت اعلانا في عمون عن حلقة اليوم ، وكم اتمنى ان يتكرر مثل هذا الاعلان لهذا البرنامج وكل البرامج الناجحة .
برنامج "تحت القبة " يتناول قضايا وطنية تهم اكبر شريحة من المواطنين ، اكتمل نجاحه بشخصية وثقافة مقدمه ، فقد كانت هناك حلقات عن الحرب على غزة ، وحلقة الامس عن تشكيلات الاقاليم في الاردن ، واهميتها في التنمية ، وكم كنت اود لو تطرق المشاركون ، الى ما سمعته مرة عن هذه القضية ، ابان طرحها في فترة سابقة من قبل سموالامير الحسن ، من هواة اكتشاف المؤامرات ، بان هذه الاقاليم هي خطوة على طريق مؤامرة الوطن البديل ، حيث ستضم الضفة الغربية لاحقا الى اقليم الوسط ، قد يكون من السخف ملاحقة مثل هولاء الهواة ، وتضييع الوقت في تفنيد ادعاءاتهم ، في الوقت الذي يقف فيه كل الشعب وقائده ، الموقف الحازم والواضح من مثل هذه المؤامرات ، لكن امكانية تبجحهم مستقبلا بمثل هذه الادعاءات ، يستدعي التوضيح حاضرا .
هذه البرامج الناجحة ، وغيرها مما لم تتح لي فرصة متابعتها ، تمنحنا الامل بقدرة تلفزيوننا الوطني على المنافسة ، ليس مطلوبا منه منافسة المحطات الاخبارية ، فهي متخصصة بهذا المجال فقط ، ولها مصادر تمويلها المشبوهة وغير المشبوهة ، لكن بالاستغلال الايجابي لأجواء الحرية في الاردن ، والخروج من الأطر الضيقة التي كان التلفزيون يحشر نفسه ضمنها ، فقط لانه تلفزيون الدولة الرسمي .
وبما ان الشيء بالشيء يذكر ، لا بد ، واستكمالا للمصداقية ، ان اعبر عن استيائي ، من برنامج حواري اخر ، رصدت خلال متابعة جزئية لعدد من حلقاته ، اساءات لنسيج الوطن ، يستضاف فيه من خارج الحدود ، من عرف عنهم الاساءة للوحدة الوطنية في اقطارهم ، ورغم ثقتي ان ان كل ذلك لن يمس قيد أنملة ، من وحدة وطنية يرعاها الهاشميون .
m_nasrawin@yahoo.com