النظرة الفلسفية ترى الزهور والاشجار والحيوانات تصنع وحدة الوجود، والنظرة الصوفية ترى ان روح كل انسان تسهم في اثراء الكون .
أما الحضارة الانسانية فإنها نسيج متداخل شديد الثراء والتكامل
الدراسات في مجال الحضارات والانثروبولوجيا تهتم بتأثير الجماعات البشرية في حركة التاريخ ،وتطور الحضارة الانسانية وكذلك تأثير الازمنة والحقب على انجازات او افول ما في حركة هذا الكون .
العرب هم جماعة انسانية تعيش في منطقة ما وتجمع فيما بينها لغة واحدة، رغم تعدد اللهجات وثقافات متقاربة وطرق متشابهة في الحياة، مما يجعل هناك امكانات للتعامل معها كجماعة واحدة متقاربة السمات .
الحق ان صورة العرب في القرن العشرين استلبت واهينت وتم نعتها بأسوأ الصفات وارذل الطبائع.
لقد نشر البروفيسور الامريكي من اصل عربي جاك شاهين عدة كتب عن صورة العرب في السينما الامريكية، أثبت فيها انه تم تصويرهم ظلما اما كشهوانيين او دمويين ا وجهلاء ،واستكمل كاتب السطور هذا الجهد بكتاب صدر عن صورة العرب في السينما العالمية بعد 11سبتمبر ،وهي الصور ة التي لم تتغير كثيرا الافي نطاق ضيق ،ولكن هذا يبدو لنا من المهم بل الاجباري التذكير الدائم بإسهام العرب في الحضارة الانسانية .
المدهش انه تأثير فارق ومدهش ربما يفوق تأثير اي جماعة
بشرية أخرى ،وربما كان التأثير الاعمق هو ما احدثه العرب على العالم عندما سقطت الامبراطورية الرومانية ودخلت اوروبا بعد ذلك بعصر الظلام ،مع العلم ان الرومان في الغرب والفرس في الشرق كانوا يتحاربون بواسطة العرب الغساسنة في الغرب والعرب المناذرة في الشر ق .( سبحان الله ما اشبه اليوم بالبارحة ).
عندما قام عصر النهضة في اوروبا في بدايات القرن السادس عشر، تم اغفال من حافظ على العلوم القديمة وقدم للبشرية فنونا وعلوما جديدة، وتصادف هذا العصر مع بدء انتشار رسالة الاسلام في مختلف بلاد العالم .
تصادف كذلك مع انتصار العرب على الفرس والبيزنطيين اهم القوى في ذلك الوقت .
بفضل مبادئ الاسلام التي تقوم على المساواة بين البشر ،دخل الاسلام العديد من الثقافات والاصول الحضارية التي كانت متفوقة على المكون الحضاري العربي الاصلي المقبل من شبه الجزيرة ،وهكذا لم يعد الاسلام حكرا على العرب أو يقال بطريقة أخرى ان العرب تنوعوا واصبحوا اكثر ثراء ،وكانت اول المدن التي شهدت هذا التنوع الحضاري هي بغداد التي جعلها العباسيون مقرا لحكمهم بعد هزيمتهم للأمويين واسقاط حكمهم ،وامتلأت بغداد بيهود ومسيحيين وزرادشت وصابئة ولا دينيين ،وكان ذلك من اسباب الانطلاق الحضاري للحضارة العربية ،بسبب تنوع المواهب من خلال الشعوب التي تنتمي للإسلام او تعيش معه .
هناك برز علماء مثل الكندي الذي طور الفلسفة بكل مدارسها ،واستطاعت بغداد ان تواصل انتصار الفكر الحر دون ان يتعارض ذلك مع مبادئ الاسلام ،وتكرر الامر في مدينة قرطبة التي شهدت العصر الذهبي لحضارة الاندلس ،التي يعود اليها الفضل الاكبر للنهضة في اوروبا وتطور العالم الحديث وتبلور موضوع التسامح الديني في الاندلس الى اقصى صوره حتى ان المسيحيين واليهود كانوا وزراء وفي مناصب عليا بتلك الحضارة ،والحق ان سجل اسهام العرب في الحضارة العالمية خاصة في الوقت الذي سمي عصور الظلام يفوق الوصف ويتجاوز الآفاق لعظم تأثيره وكبر حجمه ،وعلى رأس العظماء الذين حققوا ذلك الخوارزمي ،عالم الرياضيات الذي يدين له العالم بتأسيس علم الجبر والارقام وكذلك قدم النظام العشري للعالم الغربي ،وأسس المثلثات وساعد في مشروع لتحديد محيط الارض وعمل خريطة للعالم في عهد الخليفة العباسي المأمون واشرف على 70جغرافيا في بغداد حيث عاش أغلب حياته ،وانتشرت اعماله في اوروبا في القرن الثاني عشر الميلادي وبسببها تقدمت الرياضيات .
هناك ابن الهيثم الذي ولد في البصرة ومات في مصر ،ويعد أبا لفن التصوير ولاكتشافه الأثر الاكبر في ابتكار الكاميرا فيما بعد وصحح ابن الهيثم الكثير من المفاهيم التي كانت موجودة في عصره ،وأثبت ان الضوء يأتي من الاجسام للعين وليس العكس كما كان يعتقد سابقا ،وهو من شرح العين تشريحا كاملا وبين خصائصها ووظائفها ،وطلب منه الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله ان يطبق نظرياته .
أما الاندلس فجادت على البشرية بالكثير من العلماء ،منهم الزهراوي الذي يلقب ابو الجراحة الحديثة وله موسوعة طبية من 30 مجلدا ،بها ابتكارات وتقنيات طبية ما زالت مستخدمة حتى اليوم ،مثل ادوات الجراحة وهو من ابتكر خيوطا لخياطة الجروح ،وكتب في تشوهات الاسنان وطرق التوليد ،والتهاب المفاصل .
كذلك الغافقي الذي كان يعمل عمليات العيون ويستخدم عظام الاسماك كأدوات لجراحة العين .
الادريسي الجغرافي اللامع الذي استخدم خرائطه ومصوراته في سائر كشوف عصر النهضة ،وعباس ابن فرناس اول من قام بابتكار الطيران قبل الاخوين رايت بألف سنة ،وغيرهم من العلماء والفلاسفة الكثيرين في جميع التخصصات .
لقد أصدرت مكتبة الاسكندرية كتابا علميا اسمه ( شاناق في السموم والترياق )،يدل على ان التجربة الحضارية للعرب هي على عكس الفكر الانعزالي الذي تشربته رايات الارهاب ،ويدل على ان الحضارة العربية – الاسلامية تألقت وصعدت ورفدت ركب الحضارة بفضل عوامل جمة ،يتقدمها انفتاح العرب آنذاك على معطيات الحضارات الانسانية كلها ،وبدأوا بترجمة العلوم والفلسفة والثقافة وغيرها من الفرس والهنود واليونان والرومان والفراعنة والفينيقيين والكنعانيين والانباط والبابليين والسومريين والكلدان والآشوريين وغيرهم وقد أضاف العرب الكثير الى تلك الترجمات وطوروها .
تم ذلك ايضا في اعمال الطب عند ابن سينا وغيره والتي بقيت مرجعا في اوروبا لمدد طويلة .
لكن ماذا حصل لنا اليوم ولماذا توقفت عندنا عجلة البحث والتطوير ولم نقتف اثر اجدادنا ،واصبحنا في سبات عميق .
اليوم لا نقوى على رسم حدود احلامنا ،التي صارت كالوجبات السريعة تثقل اكتافنا ،تجعلنا لا نقوى على الكلام وفي كل شبر نودع جزءا من انسانيتنا
ماذا سيحدث لنا ،هل سيكون الغد أفضل ،وهناك منارات في كل مكان تشع بضوء الامل بحلم الغد الجميل رغم الفقر والظلم والفساد والجهل .
الغد سيأتي مشرقا عزيزا اذا توحدنا وتركنا الانانية والفردية وتركنا محاربة بعضنا واتباع اوامر الاعداء الذين لا يهمهم الا مصالحهم ويبقوننا متخلفين مبتعدين عما يهمه الشعب والوطن.
اما هؤلاء الناس الذين نرغب بالاعتماد عليهم ،لتطوير البلد ورفعة شأنه ،كيف يمكن ان يعملوا في وطننا العربي ،طالما ان الحروب دائرة في سوريا والعراق واليمن وليبيا والتي يشجعونها ويشعلون نارها ،ولن تنتهي الا بعد اتفاق المتناحرين الكبار واعوانهم المتواطئين معهم على الشكل النهائي للمنطقة العربية ،ويأخذ كل واحد نصيبه من الكعكة التي يرغبون اقتسامها .
لقد اسس الصهيو- امريكية الارهاب واقاموا مسلسلا محبوكا لتحويل المنطقة الغنية بالنفط الى دويلات طائفية متناحرة ،حتى يسهل للدول الكبرى الاستيلاء على ثرواتها وتقسيمها فيما بينها مع تخصيص نصيب للكيان الصهيوني .
لقد خلقوا لنا العداوات مع المجاورين حتى يفرقونا على طريقة فرق تسد، مع العلم ان ايران وتركيا صاعدة في تقدمها ولا تأبه لما يدور حولها .
ان لم نفق او نعي ما يدور حولنا ولا نسمح للقيادات بالتصرف بمستقبل الشعوب فلن تقوم لنا قائمة ونستمر بالتمزق والتشرذم.