الأردن في مواجهة الولايات المتحدة
فايز الفايز
24-12-2017 01:06 AM
عند مراجعة المعلومات التاريخية يدرك المراقب الذكي أن الزمن لا يتغير ولكن الأحداث هي التي تلعب دور المغير في حساب المصالح عبر الزمن، ولهذا لم يكن الأردن شامة على خد الولايات المتحدة عبر العلاقة التحالفية معها منذ عام 1957 وانهيار حلف بغداد وطرد الضباط البريطانيين والإنتقال الى المعسكر الأميركي ، فالقيادة الأردنية منذ الملك الحسين حتى اليوم تدرك أن المصالح الأميركية العالمية لا تتجزأ حتى في طرفي حدود دولتين متخاصمتين، ولهذا خاض الأردن معارك سياسية عابرة مع الولايات المتحدة منذ عام 1970 و1974 «أزمة صواريخ سام 7 « وحرب الخليج 2 ونهاية عهد بوش الإبن وحتى عهد باراك أوباما.
الأردن في عهد الرئيس أوباما الثاني كان مستهدفا،وكان أعضاء الإدارة الأميركية يغمزون كثيرا من قناة الأردن،حتى أوباما نفسه لم يكن مخلصا، وتوترت العلاقات دون ضجيج، حتى أنه لم يكن راضياً عن تزويد الأردن بما يحتاجه من المعدات العسكرية والعتاد الثقيل وذخائر الطائرات، فسافر جلالة الملك الى واشنطن في كانون الثاني 2014 وذهب مباشرة الى الكونغرس واجتمع مع الأقطاب الرئيسيين فيه آنذاك،حيث التقى قيادات مجلس النواب و زعيم الأغلبية «كيفن مكارثي»،ورئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب «بك ميكيون» ورئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ «كارل ليفين»، وتوصل معهم الى تفاهمات لمواصلة دعم الأردن عسكريا واقتصاديا، وأكثر من ذلك طلب منهم دعم الجيش المصري لمواجهة الإرهاب في سيناء،وقد تم ذلك،ولكنه أغضب الرئيس أوباما الذي كانت هيلاري كلينتون تحاول إقناعه بتغيير هياكل الحكم في الشرق العربي. لهذا فإن الإنتصار للقضية الفلسطينية خصوصا والقضايا العربية المصيرية عموما كانت إحدى المعضلات التي تواجه العلاقات الأردنية الخارجية،وخلال الأيام الماضية برزت واحدة من أهم وأعقد وأخطر المعاضل مع الحليف الرئيس للأردن، الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وكانت الخيارات لدى الإدارة الأردنية العليا معدومة مقابل حقنا في الحفاظ على القدس وبقائها عربية هي الأولوية، رغم المخاطرة بالمساعدات الأميركية السنوية البالغة مليارا و200 مليون دولار ورغم تهديدات نيكي هيلي المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، فإن الأردن قاد التحالف العالمي لأجل القدس وصوت ضد قرار ترمب.
صحيح أن الأردن بلد محدود الموارد ويعاني من مديونية كارثية واختناق اقتصادي يؤثر على التنمية فيه، ولكنه بلد يستطيع الصمود على ثوابته الوطنية وإيمانه بحقوقه السياسية وحماية مصالحه العليا والإبقاء على دوره التاريخي في حماية المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية التاريخية في القدس الشريف ودعم الشعب الفلسطيني ، متحديا ذلك الإعصار الرئاسي الأميركي الأعمى ، ومقامرا بكل المساعدات ، وهو اليوم يفوز بجمع العالم الحرّ ضد القرار الأميركي رغم محدوديته، وهو يذكرنا بنهاية الحرب الأميركية على فيتنام التي خرج شعبها يرقصون في الأدغال والقرى والإحتفال في «هانوي» رغم مليون طن من القنابل التي كانت تمطرها الطائرات الأميركية فوق الأراضي الفيتنامية.
لهذا،وخلافا لما يعتقده البعض من الخائضين في بحر السياسة، فإن الأردن رسميا لا يتوافق مع الدول الأخرى وخصوصا الولايات المتحدة بكل شيء أو كل ما يريدونه وبشكل أعمى، ولو أراد الأردن جلب المليارات من الدولارات خلال الست سنوات الماضية « الصراع السوري وحرب داعش» لفعلها بمجرد قبوله الإملاءات والمغامرات العسكرية والسياسية التي تبينت اليوم كم هي غبية وفوضوية ، وأدخلت العالم العربي بدوامة مظلمة وانكماش اقتصادي وانعدام رؤية للمستقبل.
من هنا يتضح للجميع أن الأردن هو «غرفة الطوارىء والإسعاف الأولي» للمشاكل الواقعة في الشرق الأوسط، ولا يمكن للإدارة الأميركية أن تتجاوز الأردن المستقر والصامد الوحيد في بلاد الشام وما بين النهرين،من العراق الى سوريا فلبنان ثم الأراضي الفلسطينية وحتى شبه جزيرة سيناء، وأي تأثير عليه سياسيا أو إقتصاديا سيتسبب بكارثة خارجية للسياسة الأميركية، فإذا كانت الإدارة الأميركية تنظر الى الشرق الأوسط كعربة متحركة، فإن الأردن هو «عمود المحور» الذي يحرك دواليب العربة،وان تعطل فالنتيجة معروفة،و هذا ما يعرفه غالبية السياسيين الأميركيين فضلا عن العرب.
الأردن لا يساوم على قضاياه الوطنية أو قضايا الدول العربية الشقيقة ابتداء،ولن يتخلى عن تاريخه في دعم فلسطين وأهلها والحفاظ على القدس العربية، والمواجهة مع الإدارة الأمريكية لن تطول حتى تفهم الرئاسة الأميركية أنه لا يصح إلا الصحيح العربي.
Royal430@hotmail.com
الرأي