لن يمر داخليا في البيت الأمريكي ما حدث في الأمانة العامة للأمم المتحدة في التصويت حول قرار ترامب بنقل السفارة الإسرائيلية للقدس كأمر العادي، فكل الطواقم العاملة مع الرئيس ترامب ستعتبر ملامة لسوء تقدير الموقف والتبعات، ودوائر صنع القرار في الدولة الأمريكية العميقة وعمالقة السياسة فيها -وهم كثر- لن يقبلوا بالعزل والتخلي الدولي الذي رافق التصويت، فهو على كل الأحوال بداية غير مبشرة بحق العملاق العالمي ومكانته وهيبته.
أمريكا ليست دولة فقط، أمريكا ولايات بحجم دول في قارة كبيرة تتحدث نفس اللغة ولها نفس الثقافة والتاريخ وتخضع لنفس القانون وسكانها حوالي ثلث بليون نسمة. عسكريا واقتصاديا وعلميا وعلى صعد أخرى فهي الأولى في العالم، كما وتعتبر القيادة العالمية.
الكبير يحب أن يسمع الجميع صوته ويطيع رغبته ويحترمها، وإن حدث العكس فسوف يراجع نفسه بالتأكيد ويعيد توازنه قبل أن يفقده.
سوء تقدير الموقف والتبعات لقرار ترامب يتحمله ترامب ذاته وطاقمه ومستشاروه على كافة المستويات.
الشعب الأمريكي فيه المثقفون وملايين العقول النابغة والسياسيون والمفكرون والمحللون والصحفيون والكتاب والناشطون في المجالات المختلفة، ولا ينظرون لفقدان أمريكا التحالف العالمي معهم في قرار سيد البيت الأبيض -كتحالف بوش الأب ضد العراق قبل ثلاثة عقود- وغيرها نظرة عابرة، وقرار ترامب المتسرع وغير المدروس حول القدس وتبعاته سيكون له الأثر المعنوي والنفسي السلبيين الكبيرين في نفوس هؤلاء.
يبقى أمام ترامب خياران لتفادي ردود الأفعال الداخلية؛ فإما أن يستقيل ويعترف بغلطته، وإما أن يحمل المسؤولية لعدد لا بأس فيه ممن حوله ممن لم يستشرهم أصلا ويقيلهم كضحية لغلطته ليبقى هو، وطبعا ذلك لن يمرره هؤلاء بسهولة، وكلا الأمرين فيهما طعم المرار لسيد البيت الأبيض.