ترمب يتوهم دور "بابا نويل" فواتير أمريكية لا مساعدات
نبيل غيشان
23-12-2017 03:52 PM
يتوهم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ويحسب نفسه الشخصية الأسطورية الطيبة بابا نويل الذي ينهمك هذه الأيام في إسعاد الأطفال بشخصيته المميزة وهداياه المحببة، لكن ترمب ليس بابا نويل بل هو الشخصية المناقضة للرجل الطيب الذي يحب مساعدة الآخرين.
لذا ليس من حق ترمب ان يعتبر المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة للدول النامية تعبيرا عن القيم الأخلاقية التي يعتقد انه يتمتع بها في إطار المساعدة الإنسانية بل هو يهدد على الملأ ان من لا يقف معه على الشر سيحاسب بقطع تلك المساعدات.
لا أريد ان أتحدث عن السخاء الأمريكي في كافة أنحاء العالم، فالذي يتباهى بذلك هو نفسه الذي يسرق خيرات الشعوب، وهنا سأخصص الحديث عن الأردن وهل ينطبق هذا مصطلح "المساعدات" على ما تقدمه الولايات المتحدة للمملكة؟
لا اعتقد ذلك. بل اجزم بان ما يصل الى الأردن من الولايات المتحدة لا يقدم من باب المعونة الإنسانية الخالصة "لوجه الله تعالى" لان ترمب جاءه ملاك في الليلة الماضية وأمره بتوقيع عقد "لمساعدة" الأردن بمبلغ 1.21 مليار دولار. بل ان تلك الأموال تعبر عن المصالح الأمريكية و تمت مناقشتها في اللجان الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية وخصصت للأردن عن استحقاق كبير نتيجة للدور والخدمات والتسهيلات التي يقدمها الأردن للولايات المتحدة والمجتمع الدولي في حفظ السلم والأمن الدوليين ومكافحة الإرهاب والتطرف في المنطقة والعالم بأسره.
وبالتالي فان الأردن وضمن تحالفه مع الولايات المتحدة يتعاون معها تعاونا استراتيجيا ويقدم تسهيلات عسكرية وأمنية وسياسية تحتاجها الولايات المتحدة ولا تستغني عنها في إطار دفاعها عن مصالحها في الشرق الأوسط. لا بل ان ما يحصل عليه الأردن من أمريكا سنويا لا يوازي نصف القيمة الحقيقية لما يقدمه فعليا، وان الأرقام المعلنة مضلله لان جزءا كبيرا منها يبقى في الخزائن الأمريكية.
إذا نظرنا إلى ما سيحصل عليه الأردن في موازنة 2018 من الخزانة الأمريكية نجده 1.21 مليار دولار يذهب نصفه الى مساعدات عسكرية أي معدات وأسلحة وتدريب بالتالي فان هذا المبلغ يبقى في مكانه ولا يتحرك بل تستفيد منه الشركات الأمريكية، ويصل إلى دعم الموازنة الأردنية حوالي 200 مليون لكن الباقي يأتي لقضايا اللاجئين والتنمية واغلبها مشاريع تجني منها المؤسسات والخبراء والموظفون الأمريكان الجزء الأكبر.
الأردن ليس بلدا فقيرا او ضعيفا بل ان السياسات الأمريكية في المنطقة هي التي جعلت الأردن وغيره من الدول العربية مثل مصر تعاني من المشاكل المالية والاقتصادية، وخير دليل على ذلك الدور الأمريكي الداعم لدولة الاحتلال والمراوغ في تعطيل الوصول الى حلول جذرية لإنهاء الاحتلال وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
تكاثرت المشاكل في المنطقة نتيجة السياسات الأمريكية غير المتوازنة والهوجاء من فلسطين الى العراق الى سوريا مما أدى الى نزوح الملايين وإثقال كاهل الموازنة الأردنية ومؤسسات الدولة وبناها التحتية بموجات هائلة من اللاجئين، حتى ان الأردن هو البلد الوحيد في المنطقة الذي تحول الى إسفنجة امتصت كل الأزمات الديموغرافية في المنطقة مما منعنا من التطور والنمو بشكل طبيعي يتناسب مع مواردنا.
وليس غريبا أن نجد أن العجز في الموازنة العامة الأردنية تضاعف خمس مرات في العقد الماضي نتيجة الأزمات في الإقليم ونتيجة القروض الدولية التي تدفقت بسخاء ودهاء حتى ينهمك الأردن في البحث عن حلول للعجز المالي وينسى قضايا التنمية.
لم تكن تلك القروض والمنح والمساعدات تهدف الى بناء اقتصاد وطني او تنمية حقيقية بل هدفت الى تكبيل الأردن وإغراقه بالديون حتى يحين موعد استحقاق الحل النهائي للقضية الفلسطينية وعندها "يرضخ" الأردن لمتطلبات دولة الاحتلال المدعومة من أمريكا، ولا شك ان هذا الموعد قد حان وما يجري في القدس اليوم خير دليل على ذلك.
للأسف ان الحكومات الأردنية المتعاقبة صدقت أكذوبة "المساعدات" وبقيت مطالبها من أمريكا ودول الغرب متواضعة وخجولة ولا تتعدى هدف سد عجز الموازنة لكن في المقابل تضخمت المديونية لتأكل 95 % من الناتج القومي الإجمالي ونصبح في وضع اقتصادي صعب. وفي النهاية نصبح مثل خبز الشعير "مأكول مذموم".
نحن لا نريد أن نعادي أمريكا او الغرب وليس باستطاعتنا ذلك، ونحن لا نريد "المساعدات" بل نريد الاعتراف بأدوارنا الحقيقة وتقديرها، وقبل ذلك نحن نحتاج العدالة ونريد أمريكا القوية والعادلة ولا نريد أمريكا الشريرة والمتغطرسة.