محمد الشاكر: ساحر الطقس أيقظه البرق
25-02-2009 11:07 PM
خالد أبو الخير - الطفل الذي ركض في طرقات العبدلي وراء غيمة وشفق، ما زال في مقتبل شبابه، شغوفاً بالغيم والأنواء.
توقعات أصابت كبد الشمس، والمطر، والثلج، بدقة متناهية وساعة بساعة، دفعت بالفتى الذي يخبيء المناخ في أعطافه إلى دائرة الضوء.
بدا أولاً خارجاً لتوه من معطف المراهقة المناخية، فهوجم، ولم يؤخذ على محمل الجد. بيد أن إصراره وتعبه وسهره، ودعم الأهل والأصدقاء و«عمون» له دشّنه «ساحر الطقس».
رأى محمد الشاكر النور في المستشفى الإسلامي في «عز الشتاء» يوم 31 كانون الأول/ديسمبر 1989.
طفولته التي ما برح غير بعيد عن أجوائها، تسمرت في خواطرها تقلبات طقس أذهلته، وعنفوان رياح أخذت بلبه. وفيما كان رفاقه ينهمكون في ألعابهم، كان محمد أسيرالتوقع والانشداه، ينسحب بهدوء إلى الحديقة، وسط أصدقائه من الأشجار وأغصانها، يكلمها وتكلمه.. بيد أن الحديث الذي طال تصعب ترجمته إلى أي من اللغات. وإن كان أثمر تساؤلات لا تنتهي عن تشكل المزن وسقوط المطر. فأدنى حالة جوية كانت تلفت نظره.
دَرجَ على الاستمتاع بنشرات جوية يحفظها عن ظهر قلب، ويعيد تمثيلها على العائلة مقلّداً عدداً من المتنبئين الجويين الذين لا يحبون أن يذكر أسماءهم بحسبه.
والده نبيل الشاكر، دكتور صيدلي، افتتح قبل أكثر من ربع قرن صيدليته في الرابية، تعلّم منه الدقة في العمل والتحليل، في حين أخذ عن والدته فلك القادري، الصيدلانية ومديرة مختبرات المستشفى التخصصي، التصميم، وعدم الاستسلام لرياح الشد العكسي.
أسئلته تحولت إلى بحث لا يكل، وأسعفته شبكة الإنترنت التي دخلت الأردن منتصف التسعينيات في البحث عن مواقع ومراجع ذات صلة بالتنبؤات الجوية، وترجمتها.. وفي ما بعد، مراسلة علماء في أصقاع العالم.
تدريجياً بدأ تعلّم قراءة الخرائط وتحليلها،وتجربة التنبوء الجوي بشكل شخصي، حتى أمكنه تحليل الخرائط واستخلاص المعلومات منها.
درس مراحله الإلزامية كلها في مدرسة الرائد العربي، ومنها حاز التوجيهي/الفرع العلمي بمعدل 83,9 العام 2006. ويدرس حالياً الصيدلة في جامعة عمان الأهلية.
متابعة أحوال الطقس أثّرت على تحصيله العلمي، فعلاماته كانت منخفضة في الفصل الأول الذي يمتاز بشتويته، ولا تلبث أن ترتفع في الفصل الثاني.
أنهى دورة تنبوء جوي عن طريق نظام التعليم الإلكتروني «METEO 361» في عمر 17 سنة، ودورة تنبوء جوي محترف «METEO 410» في عمر 18 سنة.
أنشأ موقع «طقس الأردن» العام 2005، وبدأ بإطلاق تنبؤاته الجوية التي جرَّت عليه عداء غير متوقع. «كل موظفي دائرة الأرصاد الجوية كانوا يعرفونني، والآن تغير موقفهم».
التحق في أيار 2008 بدورة أرصاد جوية عليا أقامتها دائرة الأرصاد الجوية البريطانية، وتم اختياره من بين 10 أشخاص في العالم، كان أصغرهم سناً. الشرح الذي قدمه الشاب ذو الابتسامة الدائمة كان محط إعجاب واستغراب القائمين على الدورة فعرضوا عليه إكمال دراسته في انجلترا والعمل هناك.. لكنه رفض الفكرة «أحبُّ جو الأردن وإذا كان بإمكاني أن أفيد أحداً بتنبؤاتي، فلماذا لا أفيد وطني».
بدأ بنشر توقعاته وتحذيراته على موقع «طقس الأردن»، لكنها لم تكن تصل إلى المواطنين، فلم يكن معروفاً آنذاك، ومنها تحذيره من حدوث فيضانات في العقبة يوم 2/2/2006.
بدأت علاقته مع موقع عمون الإلكتروني الذي يدين له بشهرته، حينما أرسل لهم تحذيره من ثلجة 27/12/2006 التي غمرت المناطق الجنوبية، ونشره على موقع إلكتروني. «كانت توقعات دائرة الأرصاد بهطول الثلج، لكن دون تركيز على المناطق الجنوبية» «عمون» لم تنشر تحذيره.
اجتاحت العاصفة الثلجية المناطق الجنوبية، وبلغ ارتفاع الثلج متراً في بعض المناطق، وحوصر مواطنون.. بهذا صدقت توقعات المتنبيء الشاب ما دعا «عمون» لنشر توقعاته التالية. بل صار متنبئها الجوي.
الحكاية تكررت مع برنامج «بصراحة مع محمد الوكيل»، فصار مصدراً لتوقعات الطقس لديه.
المميز في توقعاته أنها تتضمن معلومات تفصيلية عن حالة الجو المتوقعة ساعة بساعة، وأماكن تساقط الثلوج وكثافتها أو حدوث فيضانات، حتى إنه يحدد تقريباً، موعد بدء تساقط المطار أو الثلوج في عدد من مدن المملكة.
يستغرق إعداد تقريره اليومي ثماني ساعات، وقلما ينام حين تنصب توقعاته على دخول منخفض جوي، أو سقوط زخات من المطر أو هطول الثلج. «المرة الأخيرة غفوت لدقائق وأيقظني البرق».
«مسؤوليتي كبيرة تجاه المواطنين الذين يتابعون نشراتي الجوية، لذلك أبقى ساهراً أزودهم بها أولاً بأول، وراحتي النفسية بعملي وبتحقق توقعاتي بإذن الله طبعاً».
يعمل في موقع «طقس الأردن» عدد من الشبان، ويرتب عليه ذلك دفع أموال لا يمتلكها طالب جامعي، في وقت لا يتلقى فيه أي دعم.. لا حكومي أو خاص. بل وتغيب عنه «أعين» الدعم التي تذهب لكل شيء إلاّ في أحايين كثيرة، لمن يستحقه.
يجادل سمير الحياري، رئيس تحرير موقع «عمون» بأن الشاكر موهبة مهمة ينبغي رعايتها. لافتاً إلى صدق توقعاته. «المنخفض الأخير، اتصلت به ليلاً وقلت له: أين المنخفض.. وأين الثلج اللي توقعته؟. فقال لي: انتظر لبعد الساعة 11 ليلاً وانظر من الشباك؟. وبالفعل.. تساقط الثلج تلك الليلة».
ويشير إلى معركة اندلعت بين الشاكر، ودائرة الأرصاد الجوية «التي لا تستطيع أن تقول في نشراتها إن الثلج سيتساقط يوم الجمعة بعد الصلاة مثلاً، أما هو كهاوٍ فأكثر جرأة، يصرح بذلك، وفوق ذلك يتساقط الثلج بإذن الله».
يصفه أحد أصدقائه بالجندي المجهول، الذي يقدّم كل ما يستطيع دون أن يتوقع مقابلاً «خلوق، وصادق، ولا يمكن أن تصدقوا مدى فرحته حين تتحقق نبوءاته، يكاد يطير من السرور».
كرّمه الأمير علي بن الحسين، وعدا هذا التكريم لم يلتفت إليه أحد حتى الآن، رغم جماهيرية موقعه الذي يحتل الترتيب الخامس أردنياً على مقياس (اليكسا)، ومع ذلك فالموقع مهدد بالاختفاء عن الشبكة لاسباب مادية وقلة اعلانية.
«رغم أنه هاو، إلا أنه استطاع بمثابرته وبتجواله ليل نهار على مواقع الإنترنت، واستخدام أجهزة بسيطة في التنبؤ أن يصير مرجعاً في التنبؤات الجوية، بل تعدت شهرته الأردن، إذ تصله رسائل من سورية، وفلسطين، يثنون فيها على براعته في التنبؤ الجوي». يصفه مقرب منه.
بلهجة الشاب الواثق من نفسه يقول: «طموحي النهوض بقطاع الأرصاد الجوية، الذي سيفيد في زيادة الإنتاج الوطني، وتقليل الخسائر بالتوقعات الصائبة».. فهل يحقق ذلك الطموح؟
السجل.