لعل الأردن من أكثر الدول التي تأثرت بقرار نقل السفارة الأمريكية الى القدس. فالاختبار كان صعبا على دولة ترتبط بعلاقات وثيقة جدا مع واشنطن .كما أنها في مرحله توتر في علاقاتها مع كيان الاحتلال ،والاصعب ان الواقع العربي رديء وغير مهيأ للتعامل مع قضيه كبرى بحجم القدس ،بل إن الحالة العربية قد تخدم في بعض تفاصيلها القرار الأمريكي بغض النظر عن النوايا .
وعلى الصعيد الداخلي فإن الأردن يحاول مواجهة الصعوبات الاقتصادية من خلال سلسلة إجراءات قاسيه على الناس دون أن يجد عونا من المقتدرين العرب .
لكن الأردن ومن خلال حكمة وقدرات قيادته أدار ملف القدس بنجاح كبير، وكان سلاحه الأهم هو الصدق ،فلم يكن الأردن مراوغا أو متحدثا بأكثر من لغة أو يتحرك بأكثر من وجه سياسي ، وكانت لغة الناس هي ذاتها لغة الدولة، وكان الملك في مقدمة كل الصفوف في الأردن وخارجه في التحرك الواقعي نصرة للقدس، ولم يجد اي طرف في داخل الأردن وخارجها ثغرة في جدار الموقف الأردني يمارس من خلالها النقد أو التشكيك ، ولم يبق إلا الحسد السياسي القادم من هنا وهناك .
ولم تكن المعادلة الأردنية سهلة لأن البعض في محيط الاصدقاء والأعداء كانوا يريدون ازمة القدس حفرة سياسية يقع فيها الأردن لتصنع للنظام السياسي الأردني ازمة مع شعبه، بل وتضعه في موقع اتهام عبر التاريخ، مع فشل في التأثير في مسار الأحداث لتضاف الى الصعوبات الاقتصادية التي يعانيها .
لكن القيادة الأردنية انحازت إلى الصدق في مواقفها وتقدمت صفوف شعبها فقطعت الطريق على من أرادوا أن يروا الأردن في ازمة كبرى مع الأردنيين ومع قضيته الأولى.
فكان التحرك مع الأردنيين في الداخل ومع ما تبقى من المحيط العربي والإسلامي وأيضا مع الموقف المهم للمجتمع الدولي لعزل الموقف الأمريكي وتحقيق انتصارات سياسية وقانونية نصرة للقدس وقضيته .
الأردن قدم كل ما يستطيع، ولم يسجل عليه أحد تخاذلا أو مراوغة أو تعدد لغات ،وافسد على من كانوا يريدون له الشر امنياتهم ،واليوم وبعد كل ما جرى فإننا نحتاج إلى هبوط آمن من المرحلة الصعبة التي مررنا بها ، هبوط نعود من خلاله إلى ترتيب معادلات علاقاتنا الإقليمية والدولية بما يحفظ مصالحنا ،وهنا لا اتحدث عن انقلاب في المعادلات لأن الأردن ليس بلدا استعراضيا بل له معادلات علاقات تاريخية ،لكن بعض الإجراءات أصبحت ضرورية، كما أننا نحتاج إلى أن نعود إلى اداره ملفاتنا الداخلية وان نمنع بعضها من تغيير مزاج الأردنيين الإيجابي الى حالة سلبية مع الحكومة ،وأقصد هنا الملف الاقتصادي الذي سيعود إلى الأضواء هذا الاسبوع مع مناقشة الموازنة والقرارات العقبة القادمة ،كما أن بعض أدواتها كانت قوية خلال ازمة القدس لكن بعضها كان ضعيفا مرتبكا ومهزوما .
وأيا كانت قدرات بعض الأدوات فإن القيادة التي أدارت ملف القدس بحزم وصدق قادرة على الهبوط الآمن للأردن بعد أسابيع صعبة .