وا أسفي على زمن أصبح فيه الكذب مجاملة وذكاءً، والنفاق شطارة، والتسامح ضعفاً والطيبة غباءً والتملق إخلاصاً، والتواضع ذلة، والتكبر وجاهة، والصدق حماقة، والأدب سذاجة، والوقاحة شجاعة والسكوت على الظلم مسالمة وتكتيكا، وكلمة الحق تستجدى ولا تعطى.... في هذا الزمن. اصبحت أعظم الأشياء رخيصة، وأصبح على الإنسان في أحيان كثيرة أن يستعير لسان طفلٍ كي يجرؤ على قول الحق، أو أن يستعيد عناد الطفولة كي يدافع عن نفسه، انه عصر فقدان التسامي وفقدان الحساسية،
وحدها كلمة الحق ظلت عملةً نادرةً عزيزة وغالية الثمن، يخشى الكثيرون أن يدفعوا ثمنها ويستحون منها إن لمعت في تفكيرهم، فكم مرة رأى إنسان في محيط عمله ظلما وتعسفا بحق الآخرين، أو رأى ما لا يجب السكوت عليه من فساد ومحسوبية وطأطأ رأسه ومضى في سبيله خوفا على رزقه أو منصبه!
ألا يذكر بعضنا أنه صمت عن كلمة لو قالها لردّ ظلماً عن ضعيف، أو حفظ حقاً لصاحبه، أو كف ألسن الآخرين عن تلويث سمعة غائب، لكنه سكت من أجل استرضاء الآخرين وخوفا من إثارة واستفزاز الأصدقاء والمقربين!!
وقد تدفع فعلاً كلمة الحق بصاحبها الى زاوية صعبة، ولكن عدم قولها يضعه في مواجهة مع نفسه ومع التزامه الأخلاقي، واحترامه لذاته ويجرُّه إلى دائرة من السلبية والنفعية جرّت إليها الكثيرين.
في الماضي كانت العلاقات بين الناس أكثر شفافية وبساطة، وكانت الصراحة بين الاصدقاء من شروط الصداقة، كان الرجل يقول: «أقول كلمة الحق ولو على قطع رأسي»، فما الذي حدث اليوم؟ هل تغيّر الإنسان أم تغير الزمان؟! وفي أي الدروب تاهت كلمة الحق، وهل مازالت تستحق ثمنها؟!
كانوا يقولون قديما ان كلمة الحق دائما تقف في الحلق… ذلك لأنها عظيمة وان بعض الناس يختنقون لدى البوح بها ولا يطيقون قولها او حتى سماعها لأنهم ضعفاء، كلمة الحق غالبا ما يقولها العظماء، وقد يكونون صغارا بالسن والخبرات، بسطاء في الحياة والثراء، لكن سر العظمة فيهم يكمن في الحق الذي يعلو فيهم الى القمم.... ولأن الحق بات اليوم عملة نادرة فالعظماء ايضا أصبحوا عملة نادرة!!