نحتاج لمعرفة مكانة القدس بصرياً. القدس، كانت وما تزال لها مكانتها في السينما العربية والعالمية، لكن كيف؟ صدر كتاب للصديق الناقد عماد النويري بعنوان "القدس في السينما"(96 صفحة من القطع المتوسط)، ضمن مطبوعات مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي ـ الدورة 32 (2016) يوثّق للقدس بصرياً. كتاب النويري وهو ناقد مصري يعيش في دولة الكويت، يُعتبر وثيقة مهمة ترصد قضية القدس في المُنْجز السينمائي العالمي.
تحتاج القدس في الفيلم السينمائي العربي والعالمي لدراسات علمية وبحثية متعددة. القدس استحوذت على مشاعر الكتاب والفنانين والسينمائيين. كما أنها ألهمت الشعراء والمصورين وعشاق القداسة في هذه المدينة العربية المحتلة. وآخر كتاب وصلني عن القدس كان للكاتب والباحث د. مروان علان بعنوان "فلسفة الجمال في الزخارف العربية ـ قبة الصخرة أنموذجاً (إصدار وزارة الثقافة الأردنية ـ 2015) وهو إنجاز علمي موسوعي يتناول جماليات قبة الصخرة (في 451 صفحة). ويحتوي على صور لكل النقوش والزخارف الفنية الغنية بالرموز والعلامات والجمال.
وأن يفرد مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي في دورته الـ 32 (2016) حقلاً خاصاً بـ "القدس في عيون السينما العربية" فهذا بحد ذاته يؤكد حجم القدس في الذاكرة البصرية العربية، وكانت القدس حينذاك تعاني من حصار للمسجد الأقصى وقبة الصخرة واعتصامات فلسطينية، وقام المدافعون عن الحرم القدسي الشريف بالصلاة عند البوابات الإلكترونية والحديدية وخارج الأسوار. كان ذلك في أعظم عمليات احتجاج ومقاومة سلمية، تكلّلت بالنجاح بإزالة كل القيود أمام حركة المصلين والمواطنين.
ويتضمن كتاب ((القدس في السينما)) ستة أبواب: صورة القدس في السينما الصهيونية (ما قبل إنشاء الدولة)، صورة القدس في السينما الإسرائيلية (ما بعد إنشاء الدولة)، هوليوود والقدس وصورة الفلسطيني، وصورة القدس في السينما الفلسطينية، السينما العربية والقدس، والسينما الأوروبية والقدس. وأهمية الكتاب في انه يتضمن فيلمغرافيا (كشاف بالأفلام) التي صُورت في القدس منذ ظهور السينما وحتى 2016.
ويكتب الناقد السينمائي النويري في مقدمة كتابه: “هو مجرد محاولة للتعرف على أهم الأفلام التي تم تصويرها في القدس أو عن القدس، سواء تلك التي حققها الفلسطيني أو غيره، ومحاولة معرفة كيف ظهرت القدس في تلك الأفلام؟!، كيف ظهر الناس وظهرت الشوارع والبيوت؟، كيف كانت الصور وأصبحت بعد تحريفها وأحيانا تزويرها؟”.
وتحضر القدس في أعمال المخرجين السينمائيين الفلسطينيين، باعتبارها الحلقة المركزية ومركز الصراع مع العدو الصهيوني حول الأرض العربية المحتلة. فالمخرج هاني أبو أسعد أنتج وأخرج فيلما بعنوان "القدس في يوم آخر"(المأخوذ عن قصة للكاتبة ليانة بدر بعنوان زواج رنا). وذات الكاتبة (ليانة بدر) قدّت للسينما الوثائقية العربية فيلما وثائقيا بعنوان "القدس مدينتي" (2010) يتحدّث عن طفولتها في القدس وذكرياتها هناك.
وينبغي التنويه إلى أن أول دار عرض سينمائي في القدس قد افتتحت سنة 1908 وهي سينما "أوراكل". وظهرت بعد ذلك صالات سينما هي: القدس، النزهة، ركس، أديسون، أوريون، و ريون. أما سينما القدس (في شارع الزهراء التابعة الآن لمركز يبوس الثقافي) فقد تأسست سنة 1952 وعرضت أول الأفلام يوم 17/11/1956وقد تم إغلاق صالة العرض عام 1989 بسبب الضرائب الإسرائيلية والأحداث التي رافقت الانتفاضة الفلسطينية الأولى وبسبب "انتشار أجهزة التلفاز والفيديو المنزلية". أما سينما "النزهة" فقد تحوّلت إلى المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) في القدس.
هذا، وقد صوّر ابراهيم سرحان في العام 1935 أول فيلم وثائقي صامت حول زيارة الملك عبد العزيز بن سعود [حكم من 1932-1953] لمدينة القدس وفلسطين. ومن الأفلام السينمائية المهمة التي تستحق الاهتمام، فيلم "القدس" للفنان التشكيلي فلاديمير تماري (1968/ 18 دقيقة) من منظور فني تشكيلي.
المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي أنجز فيلمه الروائي الطويل الثالث "تذكرة إلى القدس" (2002) ويتناول رحلة فريق سينمائي عبر الحواجز الإسرائيلية إلى المدينة المقدّسة. وفي أحد الأفلام العالمية الرائجة ((مملكة الجنة))، للمخرج البريطاني ريدلي سكوت (2005)، كانت القدس "لا تسوى شيئاً " وبعد دقيقة صارت "كل شيء" على لسان غسان مسعود الذي قام بأداء دور صلاح الدين الأيوبي.
هذا العام (29/11/2017)، شارك ما يزيد عن 50 فيلم من كل بقاع الأرض والأردن في مهرجان القدس السينمائي الدولي (الدورة الثانية) وتشرفت شخصياً باختياري لكي أكون المنسق العام للمهرجان من الأردن. الدورة الأولى لهذا المهرجان كانت العام 2009 والانقطاع الطويل بين الدورتين كان بسبب الأحداث التي شهدتها فلسطين ويقود المهرجان نشطاء سينمائيون في قطاع غزة وعلى راسهم د. عز الدين شلح (رئيس المهرجان) والمخرج سعود هنا (رئيس لجان التحكيم). د. تيسير مشارقة.