أمريكا حين تتصرف بمنطق الزانية المتصدقة ..
الدكتور موسى الرحامنة
21-12-2017 10:16 AM
الإدارة الأمريكية في تعاطيها مع القضية الفلسطينية، تكرس نزعتها اللاأخلاقية وعنصريتها البغيضة، وهي تلعب مثل هذا الدور، من خلال هيمنتها السياسية والعسكرية والاقتصادية.
فما يراه العالم منصفا وعادلا لا تراه الإدارة الأمريكية كذلك وما يراه العالم غير مشروع تراه مشروعا وقانونيا.
فحين صدر قرار التقسيم لفلسطين التاريخية عام 1947 وهو ما لم تحترمه إسرائيل وتلتزم به، حين سيطرت على ما نسبته 78% من أراضي فلسطين بعد حرب 1948 متجاوزة النسبة التي خصصها قرار التقسيم، وظلت متمسكة بذلك تدعمها السياسة الأمريكية الغاشمة المتغطرسة وبعد حرب عام 1967 أجهزت إسرائيل على ما تبقى من أراضي فلسطين بما فيها القدس الشرقية.
وعلى الرغم من كل القرارات الدولية التي أصدرتها الأمم المتحدة، والتي تخص النزاع العربي الإسرائيلي والذي أصبح بعد إقرار معاهدات السلام الثنائية، نزاعا فلسطينيا إسرائيليا وليس عربيا، وهو ما كانت تصر عليه كل من إسرائيل والولايات المتحدة في الذهاب إلى اتفاقيات ثنائية مع دول الصراع كل على حده، وحدثت حالة الاستفراد هذه بضغط
الإدارة الأمريكية للحيلولة دون وجود موقف عربي موحد.
فكانت إسرائيل هي المستفيد الأوحد من كل عمليات السلام التي حدثت، فبعد قرار ذهابها للسلام اعتبرها العالم دولة محبة للسلام وأشاد بموقفها هذا، وكان من أول الثمار التي جنتها إسرائيل هو إلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي اتخذته عام 1975 والذي يعتبر الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري.
وحين ذهب الفلسطينيون في مفاوضات أوسلو متسلحين بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 كأساس للسلام والتفاوض مع الجانب الإسرائيلي وعلى أساس انسحاب إسرائيل حتى حدود الرابع من حزيران 1967 وعلى الرغم من عدم الاعتراف باحتلال إسرائيل للقدس الشرقية والاعتراف بها كأراض فلسطينية بموجب قرار التقسيم فإن الجانب الفلسطيني راح يفاوض على ما نسبته فقط 22% من أراضي فلسطين التاريخية.
الغريب في الأمر، أن الولايات المتحدة هي صاحبة نظرية عدم الاعتراف بالأوضاع غير المشروعة في القانون الدولي العام، التي تقررت في مطلع القرن الماضي وعرفت بنظرية ستمسون، نسبة لوزير خارجيتها هنري ستمسون الذي كرس مبدأ عدم الاعتراف بأي وضع ناتج عن استخدام القوة في العلاقات الدولية، وقد أقرت حكومة الولايات المتحدة هذه النظرية على أثر غزو اليابان لإقليم منشوريا الصيني عام 1923. وقد دافعت الولايات المتحدة دفاعا مستميتا عن هذه النظرية وجلبت لها التأييد واعتبر ذلك نصرا في عالم القانون الدولي آنذاك.
ولكن تذبذب المواقف الأمريكية يكشف عن عمق العنصرية البغيضة تجاه القضية الفلسطينية، وفي مقدمتها القدس فقرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يتناقض مع نظرية ستمسون هذه، وإجهاض قرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بقرار ترامب يتناقض مع ابسط أبجديات القانون الدولي ويشكل حيلة ومكيدة وسقوط مريع للعدالة الإنسانية إذ كيف يتم الاحتيال في صياغة قرار في مجلس الأمن لا يأتي على ذكر اسم الجاني مرتكب الجريمة ليتاح له التصويت واستخدام مكنة الفيتو التي ما برح يستخدمها في وجه كل قرار يمكن أن يخدم القضية الفلسطينية.
والآن، وبعد أن أدركت الولايات المتحدة الأمريكية بأن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المزمع التصويت عليه باعتبار قرار الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل باطلا وينبغي عدم الاعتراف به، بدأت تستخدم عهرها بالتهديد والوعيد بقطع المساعدات عن الدول التي ستصوت لصالح قرار الجمعية العامة، فهل بعد هذه الغطرسة ثمة أخلاق لهذه الإدارة.... ومع أن ما يصدر عن الجمعية العامة هو مجرد توصيات غير ملزمة إلا أن قرارا صادرا عنها من هذا القبيل له أصداء إيجابية واسعة، فالجمعية قرارها يمثل دول العالم قاطبة فلكل دولة عضو صوت ليس كالحال الذي هو عليه مجلس الأمن فالتصويت من قبل الأعضاء المحددين.
صدور قرار من قبل الجمعية بخصوص القدس ستكون أصداؤه شعوبية وفي مقدمتها شعب الولايات المتحدة الأمريكية لذلك راح ترامب يهدد الدول المستضعفة التي تعتاش وتقتات على المساعدات التي تقدمها إمبراطورتيه المأزومة بقطع هذه المساعدات، لأن لهذه الدول صوت الآن في الجمعية، فهل ترفع مثل هذه الدول عقيرتها وتقول لترامب "الحرة تجوع ولكنها لا تأكل بثدييها" .
إن ما تقوم الإدارة الأمريكية بفرضه بمنطق القوة والعنترية يذكرنا بمقولة "زنت وتصدقت" وهذا ما كشفته تصريحات قطع المساعدات الذي يقود الى حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تقدم دولارا واحدا الا بمقابل فهي لا تعترف بسياسة المجان.