خسرت الكلمة معركتها مع الصورة في عالمنا العربي , فقد باتت الصورة اكثر كثافة من النص المصاحب لها , فكل وفد مسرحي او سياسي , وكل مسافر او عائد , ينشر الصورة فقط , مكتفيا بعبارة توضيح , فخلال اجتماع ائتلاف حزبي لدعم القدس نشر المجتمعون اكثر من ثلاثين صورة للجملة السابقة , وهكذا الحال مع كل الفعاليات الحزبية والفنية والسياسية والعائلية , فهل فرغت جعبتنا الكلامية بعد ان فرغت جعبتنا من الرصاص كعالم عربي , فاستبدلنا الصورة مكان الكلمة , ام ان الاحساس بالذات وتضخم الأنا العربية الفردية هو سبب ذلك , فكل المناسبات التي نراها على مواقع التواصل الاجتماعي بما فيها المناسبات الثورية يتم وضعها في كبسولة كلامية مقابل عشرات الصور , فنحن نرى صورة الوفد عند مغادرته وعند عودته ولا نسمع منه كلمة عن المشاركة وطبيعتها , عن الكلمات التي جالت قاعة الاجتماع او عن العروض المسرحية والفنية او عن المؤتمرات الثورية , المهم اننا نشرنا الصورة .
خلال تجربة صحفية قصيرة مع الراحل محمد طمليه , سعينا الى معرفة دلالة جملة ملازمة لكل الاخبار الرسمية في العالم العربي تقول “ وتباحث الزعيمان في امور تهم الطرفين “ وحاولنا اكتشاف الشيفرة الوراثية لهذه العبارة ولكننا فشلنا فهي العبارة الوحيدة التي اجمع عليها الاعلام العربي من المحيط الهادر الى الخليج الثائر , رغم انعدام الاجماع العربي , والغريب ان صورة الزعيمين كانت تؤخذ مساحة كبيرة من الصفحات الاولى , حتى لا نتهم مواقع التواصل الاجتماعي بانا السبب وراء الظاهرة وان كانت هذه المواقع قد سمحت للجميع بنشر صورته او مجموعة صوره مقابل جملة واحدة .
ضياع الكلمة لصالح الصورة , خلق نمطا من التفكير يمكن تسميته بإطار الصورة , او الاطار الفكري الجامع , والاطار يكشف عن المستوى الاقتصادي اولا وعن منسوب الذوق الفردي او الوعي الفردي ويسمح بنسبة ازاحة بين الصورة والاطار , وهذه الازاحة هي المقتل , بعد ان بات الانتباه الى الصورة اكثر من الانتباه الى المضمون الذي تعبّر عنه الكلمة بوصفها بداية كل شيئ , فقبل كل شيئ كانت الكلمة , فصرنا ننشغل بالاطار ولا ندخل الى العمق , وللتدليل اكثر , فإننا جميعا نرفض قرار ترامب الاخير بنقل السفارة الى القدس واعلان القدس عاصمة موحدة , ونسينا في غمرة رفض القرار ان نتذكر ان القدس كلها تحت الاحتلال , فتحولت الازمة الى رفض نقل السفارة واعلان القدس عاصمة موحدة , على حساب احتلال القدس كلها , فالمظاهرات والاعتصامات يجب ان تكون متصلة منذ احتلال القدس وليس ضد اعلانها عاصمة موحدة .
منيو الغد هو اعتصام امام السفارة لالغاء القرار , الذي لا يعني تحرير القدس او حتى الجزء الشرقي منها , ولو الغى الرئيس الامريكي قراره فإننا سنعود الى بيوتنا رافعين علامة النصر , رغم ان القدس تحت الاحتلال وممنوع على اي مقدسي اجراء صيانة لمنزله , ويجري تهريب الاسمنت الى القدس ولا يجري تهريب السلاح لتحريرها , وهذا احد افرازات تقديم الصورة واعلاء شأنها في العقل العربي , فالجميع يحرص على نشر صورته في التظاهرة او الاعتصام , وكثيرون يسعون الى احتلال الصف الاول في المظاهرة لغايات الصورة بالقطع .
المسافة في التحليل بين الصورة والكلمة هي مسافة الضياع التي نعيشها كعرب اليوم , فكل ما فينا مسفوح وناجم عن سفاح , ومع ذلك نحرص على ان تكون الصورة جميلة ومن زوايا متعددة , ذات ملاحظة تحتاج الى مراجعة قيمية وبحث اجتماعي قال كاتب صحفي ملاحظة مهمة تختزل الحالة “ صورة شارون تظهر على الشاشات جميلة رغم انه قبيح جدا بالمظهر والجوهر “ والاجابة ببساطة هي انه يا صديقي منتصر , والنصر جميل حتى في القباحة .
omarkallab@yahoo.com
الدستور