ليس صحيحا أن الدبلوماسية الأردنية لا تمتلك أية أوراق ضغط أو فضاءات للحركة فيما يتعلق برفض قرار الرئيس الأميركي ترمب بنقل عاصمة بلاده إلى القدس والإعتراف بالمدينة التاريخية عاصمة لدولة الإحتلال.
إن الواقع يشير بوضوح لا لبس فيه إلى أن أميركا هي المعزولة وهي المحاصرة من العالم كله الرافض لقرارها المفتقر إلى الشرعية والمصطدم بالعديد من القرارات الدولية. وقد ظهرت أميركا في وضع لاتحسد عليه في مجلس الأمن منذ يومين حيث لم تجد حولها أي مؤيدين أو أنصار، واضطرت لاستعمال حق النقض لإسقاط مشروع القانون الذي قدم لإبطال القرارات الأميركية في القدس.
ولاشك أن الجهود التي يبذلها جلالة الملك هي واحدة من أهم أدوات القوة والتميز التي يمتلكها الأردن، فجلالته هو صاحب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس والتي تكتسب قوتها من فضاء الدين والتاريخ و الديمومة، وهي مرجعيات راسخة تسمو على الإعتبارات الظرفية للسياسة. وتجمع القيادات الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة وخارجها على أهمية الوصاية الهاشمية وعلى الدور الكبير الذي يقوم به جلالة الملك باعتباره خادم المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
أما ثاني الأدوات التي يمتلكها الأردن فهو العمل على تفعيل كل إمكانات الإسناد والدعم التي قد تأتي من داخل الوضع العربي، فقضية القدس تعني فلسطين والأردن في المقام الأول، ولكنها تعتبر أيضا قضية عربية إسلامية.
إننا ندرك جميعا أن الوضع العربي يمر بظروف غير مسبوقة من الضعف والتردي، ولكن ثمة نقاطا مشجعة يمكن البناء عليها في هذا الواقع، وحسنا فعلت الدبلوماسية الأردنية بالعمل على تشكيل فريق وزاري عربي من خمسة دول لبدء نشاط دبلوماسي على مستوى العالم وشرح الأخطار الكبيرة المترتبة على قرار ترمب المتعلق بالقدس، فقد نجح الأردن في تشكيل وفد من وزراء خارجية الأردن وفلسطين ومصر والسعودية والمغرب والإمارات والأمين العام للجامعة العربية وسيلتقي الوفد قريبا لبدء مهمته في محاورة دول العالم حول أخطار قرار ترمب. وهذا نجاح طيب يمكن البناء عليه، وهو يقول إن العرب، رغم ما يمرون به من ظروف صعبة وغير مسبوقة من الفرقة والتفكك، يدركون تماما أن قضية القدس تبقى نقطة إجماع يجب إستثمارها، كما تفعل الدبوماسية الأردنية، حتى آخر مدى ممكن.
أما الجبهة الأخرى التي تستطيع الدبلوماسية الأردنية الحركة فيها فهي الداخل الأميركي، ورغم رفضنا القاطع لقرار ترمب المتعلق بالقدس، فهذا لايمنعنا من الإعتراف أن أميركا دولة مؤسسات، وإذا كان الحوار مع الإدارة الأميركية قد أغلق فيما يتعلق بالقدس بعد أن اتخذت قرارها المجحف والمتسرع، فإن إمكانات التواصل مع المؤسسات الأميركية ماتزال واردة. ويمكن للأردن أن يواصل حواره مع أعضاء ولجان مجلس الشيوخ ومع المؤسسات البحثية المؤثرة ومنصات الإعلام وذلك من خلال فريق من الخبراء الأردنيين العارفين بالواقع الأميركي وممن تربطهم علاقات قوية مع مؤسسات وشخصيات أميركية. وإذا ما اقتنعت هذه المؤسسات والشخصيات واللجان بالحجج التي يطرحها الأردن من خلال لجنة الخبراء هذه فإن هذه الجهات التي تم التحاور معها تصبح هي ذاتها أدوات قوية للضغط على الموقف الأميركي ومحاولة تغييره من الداخل.
ويجب الا نغفل عن الموقف الإيجابي الذي إتخذه الإتحاد الأوروبي ومحتلف العواصم الأوروبية، فقد باءت جولة نتانياهو الأخيرة إلى بعض العواصم الأوروبية بفشل ذريع، وسمع على لسان أكثر من زعيم أوروبي رفضا واضحا لقرار ترمب ولإمكانية نقل سفارات الدول الأوربية إلى القدس المحتلة. ولاشك أن هذا الموقف الأوروبي مهم للغاية في إطار العمل لرفض قرار ترمب وإمكانية إسقاطه. ويستطيع الأردن العمل بحرية داخل الدول الأوربية لتصليب هذا الموقف الأوروبي وتشجيعه على المستويين الشعبي والرسمي لكي يكون أكثر قوة وضغطا على الأدارة الأمركية للعودة عن قرارها المجحف.
كما يمتلك الأردن سجلا مشرفا من النجاح في الإنتصار للقدس من خلال المحاكم الدولية والمنظمات الدولية ويمكن البناء على هذا النجاح ، فقد تبنت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونسكو» منذ بضعة شهور قرارا مهما بشأن البلدة القديمة للقدس وأسوارها خلال اجتماع دورتها الحادية والأربعين في كراكوف ببولندا، وهو من نتائج الدبلوماسية الأردنية النشطة بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني للدفاع عن القدس. ويستطيع الأردن أن يوظف قدراته القانونية ذات السجل المشرف من النجاح للعمل ضد القرار في الأروقة القانونية الدولية ولتزويد الجهات الراغبة في هذا العمل القانوني بكل ماتحتاجة من حجج وأسانيد قانونية.
يمتلك الأردن العديد من أوراق الضغط لتمكينه من الإنابة عن الأمة في هذه المواجهة الرامية لحماية المدينة المقدسة وحفظ الأمن والسلام ليس في منطقتنا فقط ولكن في العالم أجمع. ويبدو ان قدر بلدنا أن يكون طليعياً في حمايته لمصالح الأمة وسلام العالم، وهي بلاشك مسؤولية كبيرة نقبلها بشرف.. وعن طيب خاطر.
الرأي