كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن مروحة الخيارات الأردنية المتاحة لمواجهة القرار الأمريكي المشؤوم بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، في ظل ما يعتبره البعض ترددا عربياً حيال الأزمة الأخطر التي تواجه القضية الفلسطينية.
وتدفع بعض الأوساط السياسية والإعلامية باتجاه الخيار الإيراني، وسط تنامي الحديث عن خلاف أردني سعودي، أو بتوصيف أقل حدة، تباين في وجهات النظر بين البلدين إزاء الأزمة، صحيح أننا لم نلحظ اي تسخين للعلاقات مع ايران، ولم تشهد الايام الماضية أية اتصالات مباشرة بين البلدين، لكن لا يمكن التكهن بما ستحمله الايام المقبلة من تطورات في هذا الإطار، خاصة أن ثمة من يدفع ( من الدائرة المقربة من مطبخ القرار) بهذا الاتجاه وبقوة وإن كان على سبيل المناورة السياسية مع السعودية، بل إن هناك بعض الاصوات التي دعت صراحة لفتح المجال أمام السياحة الدينية الايرانية لتوجيه رسالة للحليف السعودي الذي يتجاهل عن سابق اصرار المصالح الأردنية، بحسبهم.
وما يثير الدهشة، ان البعض يتناسى أن العلاقة مع الرياض ليست خياراً بل هي ضرورة تفرضها الجغرافية والتاريخ والسياسة والدين والعروبة، كما تفرضها، وبنظرة براغماتية بحتة، الاوضاع الاقتصادية الصعبة، مع صعوبة الوصول لمرحلة الاعتماد على الذات التي تروج لها الحكومة.. على أي حال جميعنا يدرك ان الاردن ليس سنغافورا او ماليزيا ولن يكون في ضوء ما تطرحه الحكومات المتعاقبة من سياسات اقتصادية قاصرة لا تقود الى اكتفاء ذاتي اطلاقا.
بالتأكيد، لا اقصد بكلامي هذا أن ادعو للتبعية بحجة الحاجة الاقتصادية، بل هي الواقعية السياسية ولغة المصالح التي تحكم الدول، وإن كانت طهران تغرينا اليوم بجنات عدن وانهر من النفط والغاز، فلا يجب أن يغيب عن بالنا أن الثمن غدا سيكون باهظا على جميع الصعد؛ السياسية والأمنية وحتى الثقافية.
ما يطمئن حتى الآن، ان الملك عبدالله الثاني، وهو في موقف لا يحسد عليه، يدرك جيدا مخاطر الارتماء في الحضن الايراني، بل إنه كان اول من حذر من هذا الخطر، ويبدو أن الاردن أول من يدفع ثمن تجاهل العالم للتحذير الملكي. ولكن وفي جميع الاحوال لا يجب أن يكون الاردن طرفا في اي استهداف للسعودية، ولا يجب أن نسمح بتوظيف الغضب الاردني ازاء القرار الأمريكي او استغلال الحاجة للتواصل مع جميع الأطراف في المنطقة، لجعل الاردن طرفا في خصام لا ناقة لنا فيه ولا جمل.
الصمت الرسمي وتردد الحكومة في كبح جماح المتحمسين لاستبدال الخيار السعودي بالخيار الايراني، اعطى انطباعا ب وجود ضوء اخضر رسمي للتطاول على السعودية، لكن سرعان ما تداركت الحكومة الموقف حين قطعت الطريق على من يحاول جر البلاد الى المعسكر المعادي للرياض، واختارت شكلا غير رسمي للرد بقصد التقليل من أهمية وحقيقة ما يشاع، من خلال نشر تصريحات منسوبة لمصادر رسمية مجهولة عبر مواقع اخبارية محلية تتمتع بقدر عالٍ من المصداقية، وتضمن الرد ما يوحي بدور مشبوه لإعلام وصف بغير الصديق، في افتعال خلاف غير موجود بين البلدين الشقيقين.
وكان من الحكمة استباق الرد السعودي ازاء الخطاب العدائي الذي يتنامى لدى الأوساط الشعبية والسياسية والإعلامية على حد سواء، وما كان صمت الرياض ليطول مع ارتفاع وتيرة الاستهداف الذي يعكر صفو العلاقات بين البلدين، وهو ما ألمح إليه السفير السعودي في مداخلة هاتفية قناة رؤيا المحلية، فلا يكفي أن تكون مراكز صنع القرار مرتاحة لطبيعة العلاقات بين البلدين، ومن حق الرأي العام أن لا يكون عرضة للاستغلال من اي طرف كان ولأي غاية كانت.