استراتيجية العلاقة بين الاردن والسعودية
د. عبدالله صوالحة
19-12-2017 10:07 AM
ترجع العلاقات الاردنية السعودية الى العام 1933 عندما تم الاعتراف المتبادل بين امارة شرق الاردن والمملكة العربية السعودية نتج عن هذا الاعتراف عقد معاهدة صداقة وحسن جوار لتنظيم العلاقة وترسيم الحدود، وفي عام 1957 كانت السعودية هي الدولة العربية الوحيدة التي وفت بالتزاماتها المالية عقب انهاء المعاهدة الاردنية البريطانية وما تزال السعودية تتصدر قائمة الدول الاكثر دعما ماليا للأردن.
اما من المنظور الامني والعسكري فتعتبر الحدود الجنوبية للأردن هي الضلع الآمن بالنسبة للتهديدات والمخاطر على امن واستقرار المملكة والنظام الهاشمي ، فالأخطار التي شكلت تهديدا وجوديا للأردن وتحديا مزعزعا للاستقرار جاءت جميعها بلا استثناء من الحدود الشمالية والشرقية والغربية للمملكة الهاشمية بل على العكس من ذلك رابطت القوات السعودية في الاردن في الفترات العصيبة في السنوات 1956 و1967 و1973 وبذلك كانت السعودية العمق الامني والاستراتيجي للأردن منذ تأسيس الامارة الى اليوم.
وفي ظل التغيرات الاقليمية التي يشهدها الشرق الاوسط بعد الربيع العربي والبيئة الجيوسياسية الجديدة وما تشهده ايضا عملية السلام وخصوصا اعلان الرئيس الامريكي ترامب القدس عاصمة لإسرائيل ، خرجت بعض الاصوات التي تشكك في استراتيجية وحيوية العلاقة الاردنية السعودية مستندة الى اوهام نسجتها مخيلاتهم عن انكفاء سعودي تجاه الاردن وعن قصص وفبركات اعلامية حبكتها صحف لندنية نعرف من يقف ورائها ومن يمولها لتشويه وتحطيم العلاقة المتميزة بين المملكتين الشقيقتين، وفي هذا الاطار نضع ونوضح الحقائق التالية:
اولا: تاريخ الدبلوماسية الاردنية ومحددات السياسة الخارجية للأردن بنيت على نظام التوازنات وعلى شبكة من التحالفات استطاعت تحقيق مصالح الدولة العليا طيلة العقود الماضية ، وقد اجاد الاردن ببراعة بناء تفاهمات مع اطراف متضادة واحيانا ذات مصالح متناقضة في نفس الملف ، والامثلة على ذلك كثيرة سواء في الملف الفلسطيني او الملف السوري او الملف العراقي وحتى ملف الجماعات المسلحة داخل سوريا نجح الاردن في ضبط وشد الاوتار بما يكفي وفاء لمصالحه السياسية والامنية، ولذلك فالقول ان هناك خلافا اردنيا سعوديا حول ملف القدس او ان هناك ضغوطا سعودية على الاردن لمنع المشاركة في مؤتمر استنبول هو محض خيال فلا يمكن فهم الاتصالات الاردنية التركية على انها نكاية او قطيعة مع السعودية بل على العكس يتفهم الاشقاء السعوديون اهداف ومناورات الدبلوماسية الاردنية ويدعمونها.
ثانيا: هناك محاولات من البعض لتأزيم العلاقة بين الاردن والسعودية وشحن الناس في الاردن ضد السياسة الخارجية السعودية فيما يتعلق بعملية السلام وحقوق الفلسطينيين ومستقبل القدس كما تحاول اقناع الناس بوجود صراع وتنافس اردني سعودي على ملف القدس، وهنا نقول ان الوصاية الهاشمية على القدس مقدسة كقدسية الاماكن نفسها وان السعودية دعمت وتدعم هذه الوصاية وقد تم اعلان ذلك اكثر من مرة على لسان المسؤولين السعوديين، كما ان التشكيك بقدرة الاردن على الحفاظ على المقدسات والتلميح بخروج الاردن من ملف القدس هو اساءة بالغة للأردن نفسه وانتقاص من جهود جلالة الملك قبل ان يكون اساءة للسعودية ، فالحق الاردني في المقدسات حق اصيل والدولة الاردنية دولة راسخة قوية لها ذراع سياسي واعلامي ودبلوماسي طويل وضارب يستطيع حماية مصالحها وحفظ مكتسباتها.
ثالثا: الاساءة الى رموز وحكام الشقيقة السعودية هو اولا وقبل كل شيء مخالف للقوانين الاردنية ثم اخلاق الاردنيين واصالتهم وشهامتهم ، وحين قام سفير السعودية الامير خالد بن فيصل بواجبه الدبلوماسي والقانوني بتحذير رعاياه بعدم الاقتراب او المشاركة في المسيرات والمظاهرات تنفيذا للقوانين والانظمة الاردنية لم يخلق سابقة دبلوماسية ولم يتجاوز ما يفعله عموم السفراء الاجانب والعرب في الاردن في مثل هذه الحالات ، وما مظاهرات واحتجاجات بعض اعضاء الجالية المصرية في الاردن دعما للرئيس المصري المعزول محمد مرسي عنا ببعيد، فلماذا ازدواجية المعايير.
رابعا: العلاقات الاردنية السعودية علاقات ثابتة ومتينة ودائمة ومستقرة مدفوعة بالقيم والمصالح المشتركة ،والدعم السعودي للأردن لم ولن يتوقف وجدير بالذكر ان هناك تغيرا طرأ على طبيعة المساعدات المقدمة للأردن وهو المنهج الذي يعمل على تطويره سفير خادم الحرمين الشريفين في المملكة سمو الامير خالد بن فيصل بحيث تصبح المساعدات عبارة عن مشاريع وشراكات استراتيجية من خلال دعم نظام التعليم والصحة وخلق وتأسيس مشاريع لديها صفة الاستدامة وقادرة على توليد فرص عمل جديدة ، وهذا المنهج هو مطلب اردني ايضا من اجل بناء نظام اقتصادي ذاتي القدرة ذاتي النمو ينهي الاعتماد على المساعدات الخارجية.
واخيرا ليس اوضح مما ذكر الا قول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لأخيه جلالة الملك عبدالله الثاني: ان أمن الأردن من أمن السعودية، وأن ما يهم الأردن يهم السعودية أيضا، وأن ما يضر الأردن يضر السعودية.