في الآونة الأخيرة صرت ألوذ بأفلام الكرتون أكثر من أي وقت مضى، أمسك بـ»الريموت» أقلب قنوات الأطفال حتى أسمع موسيقى مسلسلي المفضّل.. أحاول تجاوز تأفف الأولاد وتذمّرهم من «نكوصي» العمري، بابتسامة طفيفة ثم أضع غطائي على ظهري واندس بينهم..
كل شيء في تلفزيوناتنا العربية صار يرعبني؛ الشريط العاجل نهر من دماء، والشاشات مكتظة بالخلاف والانقسام والحروب، والتسويق الحكومي لغد أفضل لا يأتي، فليل الأنظمة طويل طويل، والتجويع الشعبي جارٍ على قدم وساق، والمستقبل لا أستطيع أن أرى منه شيئاً سوى «البوسترات» ومعاهد التدريب والقنوات كلها تنتحل هذا الاسم الوهمي.. لذا أطفأت الطوابق العلوية من التفكير، ورجعت الى الطابق الطفولي الأرضي.. اشتري «مصاص» و»شيبس» واتابع توم وجيري بمنتهى السعادة والاهتمام.. وفي وقت الفراغ أعمل حلقة رقص مع أولادي ونغني ماما وبابا يحبوني...
لماذا توم وجيري؟ لأن خصامهم راقِ، منافستهم شريفة، ومقالبهم بريئة، وعندما تنتهي الحلقة تنتهي القصة، وعندما تنتهي القصة تنتهي الحلقة هما خصمان واضحان لا يدخلان على الخط خصوماً آخرين، في اكثر الحلقات قسوة لا يسيل الا الكريما او الجلي بعد معركة أمام الثلاجة أو على المائدة المعّدة للضيوف..
في أخبارنا السياسية خصامنا لئيم، منافستنا قاتلة، ومقالبنا السياسية مميتة، عندما تنتهي النشرة تبدأ القصة، وعندما تبدأ القصة تشتعل النشرة، في السياسة الأطراف كثيرة والخصومة موزعة، وفي أقل الحروب قسوة لا يسيل الا الدم والدمع وخيم اللجوء، تشعر بعد أن تسمع أزيز الرصاصة الذي سجّلته كاميرا المراسل التلفزيوني أنها كادت تقتلك.. واذا بقيت تتفرّج بنفس النهم والهم والتعب العربي، حتماً سوف تقتلك..
لأجل ذلك قررت الانسحاب باكراً، وقررت الانضمام الى معسكر توم وجيري، احضر اجتماعاتهما، أتابع مطارداتهما، استفيد من مواجهاتهما، تخدرني موسيقى الحلقات الصامتة، اضحك واضحك، يثقل جفني شيئاً فشيئاً.. أنام قرب أولادي وبيدي قطعة تفّاح على شكل هلال.. وعندما أصحوا صباحاً... أصحو من غير أن أحمل ضغينة على أحد...!
لقد أتعبنا الموت المباشر حتى صودرت حياتنا..!!
الراي