كنت أرغب بعنوان «أين الشعاراتيون مما يقدمه الشعب والملك؟!»، لأننا:
كنا؛ وما زلنا ملتزمين وأوفياء لوطننا وقيادته، نكتب عن حالة نضالوية عربية فريدة، لم تتراجع يوما عن مبادئها وقناعاتها أو تتردد، رغم تقهقر ونكوص الكثيرين، وحين تقارب المتقاربون أو تباعدوا، بقيت الدولة الأردنية بقيادتها الهاشمية على رأس الذين يجابهون الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وفي مقدمة من يؤمنون بالأمة العربية والاسلامية ورسالتهما الانسانية، الداعية الى التآخي والوحدة والحرية والعدالة ونبذ الخلافات، والحفاظ على الهوية العربية في وجه هذا الزحف العدواني الذي يغزوها كلما سنحت له الفرصة..ولا يمكننا أن نسرد كل المواقف الأردنية التي توحد فيها الشعب الأردني مع الملوك الهاشميين، في مواجهتهم البطولية لكل ما يستهدف هذه الأمة لا سيما ما تعلق بتحرير فلسطين والدفاع عن حق شعبها، في بناء دولتهم السيادية المستقلة على أراضيها وعاصمتها القدس الشريف..
المواقف كثيرة وكلها مضيئة، تبعث في النفس السوية اعتزازا وأملا بغد أفضل لهذه الأمة، لو التزمت بما يلتزم به الهاشميون على امتداد سيرة حكمهم للمملكة الأردنية الهاشمية، ولعل أكثر المواقف لمعانا وإشعاعا في تاريخ التوحد بين القيادة والشعب في هذه المسيرة الواعدة من الكفاح، هي ما نشهده اليوم في الأردن، إذ لا جهد دوليا ولا مواقف شعبية ترتقي الى درجة ما يقدمه جلالة الملك عبدالله الثاني وحيدا، ولا موقف شعبيا يشبه موقفنا الشعبي اليوم في الأردن، حيث الالتفاف والتوحد على قضية القدس وفلسطين والمقدسات، قناعة راسخة لدى كل أردني ما زال يعبر عنها يوميا بأكثر من طريقة..
مرت حالات مشابهة على الأردن؛ برزت فيها وحدة الصف الأردني، خلف قيادة جلالة الملك الحسين رحمه الله، وقيادة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ونصره، وفي كل حالة كنا نشهد انطلاق شعارات شعبية تعبر عن هذا الالتفاف النادر والبعيد عن دول كثيرة، وعلى الرغم من لمعان الموقف الذي نعيشه اليوم، وعلى الرغم من أن الحدث يتفاقم ولم ينته بعد، إلا أن الشعارات المعبرة عنه غابت، ففي آخر شعار جمع الشعب بالقيادة وهتف به الجميع، وهو شعار «كلنا معاذ»، وكانت وما زالت حالة كلنا معاذ حية في نفوس الناس، وتعبر عن استعدادهم لفعل كل شيء، دفاعا عن الأردن وعن مبادئه القومية والاسلامية، وقيمه وسيادته وأمنه وعقيدتيه الاسلامية والمسيحية وثقافته العربية القومية، فلماذا لم نشاهد بعد مثل هذه الشعارات اليوم؟! رغم أن الحدث اشد خطورة مما سبقه ويجمع الأردنيين كلهم على موقف واحد، يتماهى مع الموقف والجهد الكبير الذي يقدمه جلالة الملك ويصارع ويقاتل من أجله على أكثر من جبهة، وهو الموقف الذي تحدث عنه جلالته باعتباره يمثل نبض هذه الأمة، معتزا بالشعب الأردني الواحد والتفافه حول نصرة القدس وفلسطين، في صورة تكاد تختفي بل اختفت من دول عربية كثيرة في أيامنا هذه..
في احتفالات اليوبيل الفضي في عهد الحسين رحمه الله، كل الناس رددوا «معه وبه إنا ماضون»، وما زلنا نقولها ونفعلها حتى اليوم نحن الذين كنا أطفالا في تلك الأيام، وأجزم بأننا نمر في موقف ذهبي أردني، يقدم فيه الملك الهاشمي الأردني وشعبه الصادق الصابر أصدق وأهم وأقوى آيات الولاء والوفاء للأردن وللقيادة وللمستقبل، وكلنا يعلم حجم العبء الواقع على كاهل الناس جراء الظروف السياسية والاقتصادية العامة التي يعانيها الأردن، والتي تمخضت أصلا عن التزام الأردن قيادة وشعبا بقضايا قومية وأممية، ولم يقبل فيها تنازلا ولا تبديلا، ومع هذا فلم يتمترس مواطن واحد خلف هذه الظروف وتداعياتها، وها هم؛ جميع أفراد ومؤسسات الأردنيين يقفون سدا منيعا في وجه العدوانية المتمثلة بقرار ترمب العنصري، وفي وجه الصهيونية العالمية التي تبتلع فلسطين وحقوق شعبها البطل..
أين الشعارات والبطولات والخطب؟ لماذا تختفي عن هذا الموقف البطولي الأردني، الذي ما زال يتعزز ويكبر ويزداد وضوحا حول العالم يوما بعد يوم، بفضل حالة النفير السياسية الدبلوماسية القصوى التي يقودها الملك؟ إننا جميعا تحت مجهر دولي يراقبنا في الأردن، ويقوم بتشريح مواقفنا المشرفة حتى أدق تفاصيلها، فلا يوجد على الشاشة العالمية موقف يناهض قرار ترمب ودولة الاحتلال وجدير بالمتابعة سوى موقفنا الأردني، ولا أريد أن أغمز في قنوات الشرق والغرب العربي والاسلامي، فالصورة تتحدث عن نفسها، لكنني من حقي كاردني أن أعتز، وأن أبرز هذه الحالة النادرة من البطولة والشرف والمجد الأردني، التي لا يمكن أن تتكرر الا في المواجهات العسكرية والحروب ضد المعتدين.
هل ندرك ما الذي سيجري في المستقبل جراء قرار ترمب العنصري؟ ما هي أكثر الجهات تضررا من هذا القرار العقائدي الغاشم؟ ما مصير الأقصى وسائر المقدسات في فلسطين؟ وما هو شكل «الأردن» إنْ ترمب أنفذ وعده؟!..كلها إجابات يعرفها الأردنيون ويقفون في وجهها منذ الآن.
لا تلتفت إليهم يا جلالة الملك، فأنت الوحيد الذي يقف شعبك معك، يفديك وحين تناديه يلبي النداء..وبقلبه يسمعك.
سأقولها عنكم جميعا: كلنا معك، ونهتف: عاش المجد أردنيا ..عاش الملك.
الدستور