تجذير ثقافة "الوقف التعليمي"
فيصل تايه
18-12-2017 10:51 PM
أطلق وزيرا التربية والتعليم والاوقاف قبل فترة وجيزة مبادرة الوقف التعليمي والشراكات المجتمعية تحت عنوان "التعليم مسؤولية دينية ووطنية"، خلال حفل في قاعة المؤتمرات بمسجد الملك عبدالله المؤسس وبحضور مفتي عام المملكة سماحة الدكتور محمد الخلايله .
وزير التربية و التعليم الدكتور عمر الرزاز وخلال اطلاق هذه المبادرة أشار الى أن التعليم من اهم الركائز لبناء المجتمع وهو ما دفع لاطلاق مبادرة الوقف التعليمي والتي تهدف الى حث المواطنين الى التبرع والوقف في مجال التعليم وان هذه المبادرة ستعمل على بناء المدارس واستكمال المشاريع التربوية التي تحسن واقع التعليم في الاردن والبيئة التعليمية ، حيث أكد على اهمية الشراكة المميزة بين وزارة التربية والتعليم ووزارة الأوقاف ومن اهمها مبادرة الوقف التعليمي التي تنعكس بإيجابية على المجتمع كما واشار الى ان ذلك ضرورة موجبة على الجميع ان يتشارك بها لإتمام المشاريع التربوية ، وبناء اكثر من ٦٠٠ مدرسة خلال العشرة اعوام المقبلة ، لافتا الى ان المبادرة تعد واحدة من المعالم التي تدلل على بلورة المجتمع بالواقع التعليمي ومستقبل مجتمعنا الذي يحتاج للتعليم بشكل اساسي حتى يتقدم و ينجح.
الدكتور وائل عربيات وزير الاوقاف ، بدوره أكد في ذلك على اهمية الوقف التعليمي الذي يبقى مستمرا وثابتا يعلم الناس حتى قيام الساعة بمشاركة الدولة والقطاع الخاص و الافراد وان الوقف هو ما يقتضيه واجب الوقت، وان البعد الحضاري هو الذي يولد الوقف ويزيده بمعنى ان الوقف يزداد كلما تطور المجتمع وتحضر وهناك العديد من الأمثلة على تعاظم الاوقاف في فترات الازدهار في المجتمعات الاسلامية المتعاقبة.
ونحن بدورنا حين نتحدث عن الوقف وخاصة في تاريخنا الإسلامي نجد انه لعب دورا أساسيا في التنمية ، وظل نموذجا اجتماعيا واقتصاديا ، وما هذة الشراكة بين وزارتي التربية والتعليم والأوقاف والتي عبر عنها كل من معالي وزير التربيه ووزير الاوقاف بالتوجه نحو أحد مكوناتنا الذاتية ، من خلال التجربة التاريخية للوقف في العالم الإسلامي، بمختلف المجالات الحيوية، وكذلك فقد قدمت التجربة الوقفية الغربية نماذج عملية عن تطبيق المسؤولية الاجتماعية للاستثمار، خاصة تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في تطوير الأوقاف داخل المجالات التعليمية ، فقد مثلت نموذجا متفردا يستوجب التوقف عنده ورصد أهم ملامحه ، حيث أن المؤسسات الوقفية الأمريكية، وفي مقدمتها جامعة هارفارد، عملت على إذكاء روح التنافس فيما بينها، حول تحقيق عدة مؤشرات كمية ونوعية ، فالتركيز اليوم على الوقف كأحد أهم المشاريع الحيوية الداعمة للنهوض بالتنمية التعليمية يتمثل في أن مشاريع التنمية التربوية اليوم، تدعو ايضا في كثير من أدبياتها، إلى ما يمسى بالتنمية المستدامة والتنمية المتكاملة والتنمية البشرية، وقد حقق الوقف تاريخيا كنموذج اجتماعي واقتصادي .
في اعتقادي ان الوقف هو عماد التعليم ، عندما تنتشر المدارس والجامعات الوقفية ، وبالتالي الوقف يمكن ان يساهم في بناء منظومة تعليمية انطلاقا من الكتاب ووصولا إلى الجامعة، والوقف يمكن ان يمول العملية التعليمية برمتها، ويمول الرواتب ومنح الطلبة والبرامج التعليمية ، وكذا طباعة الكتب وكل ما يتعلق بالتعليم ، فقد يكون الوقف رافدا أساسيا للتعليم في الاردن .
أن المشاريع الوقفية يمكن أن تكون ذوات أهمية كبرى في المجال العلمي والبحثي ، حيث تبين أن التعليم الوقفي نموذج للتعليم المتقدم كثيرا ، وأن التعليم الوقفي هو تعليم نوعي ، وأن علاقة الوقف بالتعليم ممكن أن ترفع من مستوى وجودة العملية التعليمية التي نراها اليوم منحصرة بين تعليم حكومي له مشاكله ، وتعليم خاص يبتغي الربح السريع في الكثير من الأحيان ، وبالتالي في الحالتين ، نشهد تراجعا للعملية التعليمية بصفتها عملية معرفة، وليست حشو أدمغة الطلبة بالمعلومات، وبالتالي للوقف دور أساسي في قيام مشاريع تعليمية نموذجية.
ان الاستثمار الوقفي في النظام التعليمي في وقتنا الحاضر ، يرسخ علاقة وطيدة بين ثقافة التبرع من ناحية، والميادين الأكاديمية وبرامج البحث العلمي من ناحية ثانية ، بحيث لا يمكن أن نتصور البنية التحتية العلمية بدون الوقف ، ولهذا يجب ان نجتهد في عمليات مبرمجة ومدروسة لتطوير برامج أكاديمية جديدة، بغرض تمويلها من التبرعات بشكل عام ، من هنا يجب خلق استراتيجية تربوية تسهم في تنمية الأصول تعتمد بالدرجة الأولى على الدعوة لإنشاء وقفيات جديدة من خلال التبرعات.
دعونا نستفيد من كل التجارب التي من شأنها دعم تجربتنا الوقفيه الحديثة المبشرة بالخير حيث من المتوقع اطلاق صندوق وقفي لصيانة وإنشاء المدارس الحكومية في مختلف مناطق المملكة ، من خلال تبرعات أهل الخير والمحسنين ، حيث تعاني بعض المدارس الحكومية وخاصة في المناطق الاشد فقراً، من سوء الابنية وضيقها ،ناهيك عن حالة الاكتظاظ في مدارس العاصمة عمان وبعض قصبات المحافظات،جراء زيادة عدد الطلبة وقلة الابنية والغرف الصفية ، وانا ادعو من خلال هذا المنبر جميع مؤسسات المجتمع المدني الى دعم هذا الصندوق بما تجود ، لعلها تساهم في ذلك من رفد مؤسساتنا التعليمية بحاجاتها .