مع اقتراب تشكيل حكومة اسرائيلية جديدة ، تقول الانباء ان " القدس" تشهد حاليا اوسع عملية تهجير لسكانها العرب منذ عام 1967 ، وذلك عبر المنهجية الاسرائيلية المعروفة بهدم منازل الفلسطينيين بحجة مخالفة شروط البناء وما الى ذلك من ذرائع اسفرت حتى الان عن " انهاك القدس جغرافيا وديمغرافيا وتاريخيا" تمهيدا لترويضها سياسيا كي تكون " مدينة يهودية " لا وجود في مضمونها او ملامحها لشيء يذكر من عروبة او اسلام !!.
هذا واقع خطير جدا يتطلب مواجهة عربية اسلامية مسيحية شاملة ، فالقدس ليست مجرد مدينة ذات تاريخ وحسب ، وانما هي مكان ذو ارتباط مباشر بمشاعر مئات الملايين من العرب والمسلمين والمسيحيين في شتى بقاع المعمورة ، حيث اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومنتهى مسرى ومبتدأ معراج الرسول الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه ، وفيها المسجد الاقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة وكنيسة القيامة وداخل اسوارها الشريفة تاريخ هائل ومعبر من الايمان والعبادة والتعلق بالسماء ونزوح الروح الصادق المجرد والبريء صوب الخالق جل وعلا ، والقدس لهذا ولغيره الكثير مما لا يتسع لذكره مقال اعظم من مدينة واسمى من حالة واقدس من مقدس!
اردنيا نرتبط بالقدس برباط مقدس يضعنا شعبيا ورسميا امام التزام اخلاقي انساني ايماني عظيم ، وعربيا لا يملك احد على امتداد الوطن العربي الكبير ان يتخلى عن واجبه المباشر نحو القدس ، وهو التزام يستوجب وعلى الجميع التصدي لذلك المخطط الاسرائيلي المستمر الرامي بوضوح الى تهويد القدس تماما من خلال تهجير اصحابها الشرعيين تحت وطأة المعاناة وسياسات الطرد المنظم وانهاء طابع الاحياء العربية التقليدية فيها ، ولعل تراجع نسبة المسيحيين في القدس من 5% الى اقل من 1% الان ، وتراجع نسبة المسلمين بصورة ملحوظه ولكن غير محسوبة ، عاملان مهمان للتأشير الى مدى خطورة ما يجري وبانتظام في القدس الشريف!
مؤكد ان زيارة قداسة البابا المنتظرة في ايار القادم مناسبة مهمة جدا لعرض معاناة اهل القدس وما ينفذ بحق المدينة من مخطط تهجير وتفريغ للمدينة من اصحابها الشرعيين واحلال سكان يهود مكانهم ، فعملية الطرد المتواصل تشمل المسيحيين والمسلمين على حد سواء ، وهذا امر لا بد وان تقف الفاتيكان على حقيقته ولا بد لان يكون للحبر الاعظم رأي واضح ومباشر فيه !
مريب ما يجري في القدس اليوم بالذات من تنامي وتيرة الحفر تحت وفي محيط المسجد الاقصى المبارك وتنامي وتيرة التهجير للسكان العرب كذلك ، خاصة وان ذلك يتزامن مع قرب تشكيل حكومة متطرفة في اسرائيل ، وحديث عن تحريك لعملية السلام ولكن وفقا لسياسات نتنياهو وليبرمان وسائر المتشددين من ساسة اسرائيل ! ، وهو حديث يؤشر الى ان قرارات خطيرة جدا قد تتخذ من قبل تلك الحكومة المنتظرة وان تنفيذها قد يتم بالقوة العسكرية وفي ذلك مؤشر مرعب وخطير لا بد من فحصه بعناية واهتمام شديدين!
واضح ان نزعة " نتنياهو " لضم حزب كاديما الى ما يسميه حكومة وحدة وطنية في اسرائيل ليست اتيه من فراغ ابدا ، فالدلائل بمجملها تشير الى ان هناك توجها داخل اسرائيل لوضع حد فاصل للصراع التاريخي ولكن ليس وفقا لمقتضيات العدل او السلام الذي يتحدث عنه العرب ، وانما وفقا لما يراه ساسة اسرائيل اليوم بزعامة الليكود ، وهي رؤية تستند الى عنصرية ترفض التخلي عن احتلال القدس او القبول باقامة دولة فلسطينية كما يريد العرب والعالم ، وتسعى الى فرض الامر الواقع وبالقوة العسكرية المباشرة ضد كل من قد يحاول عرقلة المهمة ، خاصة في ظل حالة الانقسام المستشري بين العرب من جهة ، وبين الفلسطينيين من جهة ثانية ، وعلى نحو ترى فيه اسرائيل الموحدة مبررا وحجة لها امام العالم لفرض اجندتها هي دون سواها في ظل صمت ان لم يكن في ظل مباركة عالمية واسعة .
القدس هي المفصل والمقتل على حد سواء ، والاسرائيليون يدركون ذلك جيدا وهم لهذا يثابرون في تهويدها تباعا وطرد الفلسطينيين منها تباعا كذلك ، وسيرى كل المراقبين كيف ستنفجر المفاجات بين ايدي الجميع ودونما انذار مسبق نسبة لاجراءات اسرائيلية جديدة منتظرة بحق القدس تحديدا باعتبارها "مربط الفرس" لو جاز التعبير في مجمل الصراع الدائر ومنذ عقود!.
شحاده أبوبقر
She_abubakar@yahoo.com