لعيون كندة سائد المعايطة والبنات
د. محمد عبدالكريم الزيود
18-12-2017 11:58 AM
إليكِ يا ابنتي كندة ، أكتبُ إليكِ فهذا صباح كانوني مملوء بالبرد والوجع والغياب ، أبعثُ سلامي لكِ ولأهلكِ الطيبين مع الغيّم المسافر علّه يحمل مطرا وشوقا ، وربما هطل دمعا ، فالبلاد تنوء بالجفاف لكن كلّما أمحلتْ جاء الشهداء بالخير وأزهر دمهم كرامة وعزّة لنا ، هو مثل دم أبيكِ سائد يوم نادته الكرك لم ينتظر انتهاء الصوت واخترق وكر الإرهابيين ، حتى الخوف فرّ من أمامه ، لم يأبه بالرصاص والبارود إذ يلامس صدره ، فيفوح المسّك والروح صاعدة ، ظلّ يرمي حتى خذله الجسد والأصبع لم يغادر الزناد .
يا ابنتي كندة
اليوم يحق لكِ أن تفخري بأبيكِ ، وهو يصعد مع الشهداء الذين مرّوا على التراب الكركي منذ جعفر الطيار إلى معاذ الكساسبة وهم يقدمون أرواحهم رخيصة ، تباهي بأبيكِ فكل الشهداء كانوا ينخوا بأسماء البنات ويحدون لعيونهم يوم الهيّة :
" لعيون مشخص والبنات... ذبح العساكر كارنا"
وأكاد أن أبيك سائد كان يقول وهو يرمي الأعداء :" لعيون كندة والبنات " ، وأيّ بنات أجمل من بنات الشهداء ، فالشهيد فرحان الحسبان أوصى ابنته "فيحاء " أن تتباهى به ، مثلها مثل "جوان " ابنه الشهيد راشد الزيود وهي تزهو بأبيها وهو يخترق الصفوف لا يحمل إلا الله في قلبه .
الله على بنات الشهداء يا عروقا من ياسمين كم تحملنَ من وجع الغياب ، وأنتنَّ الجيل القادم لبلدنا ، فيا كندة اليوم وأنتِ تزورين صرح الشهيد وتقرئين اسم أبيكِ سائد المعايطة شهيد القلعة على لوحة الشرف والبطولة هناك ، أرى في عينيكِ شوق البنات لطلّة الأب وهو عائد ويستقبلكِ بكل الفرح عند الباب وتتعلّقينَ به وتمسكين بالأوسمة على صدره ، وتناديه ليشّم عطركِ وقد نثرتيه على الجدائل التي لم تجفَ بعد ، تزوريه اليوم في ضريحه وأكاد يسمع صوتكِ وضحكاتكِ وخشخشات أساوركِ ، وتحملينَ دفاتركِ ليرى آخر ما رسمتِ له ، هو اليوم يفخر بكِ أيضا ونحن نفخر به أنه أستشهد بطلا مقبلا ولم يخاف الرصاص ولا الموت ، ومتى كان الموت بعيدا عن العسكر .
يا ابنتي كندة
بعض الكتابة نكتبها بمداد من القلب ، ونحزن على رجالنا الذين استحقوا الحياة ، وصنعوا لنا مجدا على دمهم، وذهبوا وجلسوا بين الشهداء الذين لم يقصروا يوما مع الأردن وترابه ، نبكي عليهم في زمن شحّتْ البطولات وتقزّمتْ مواقف الرجال ، لكن تأكدي يا بنيتي يا كندة يا أجمل الأسماء ، أنّ دروب العسكرية ما زالت تنبتُ شهداء وأبطالا وفرسانا ، وأنّ من يراهن على كسر بلدنا سيخسئ مدحورا ، لا نقوله كلاما من قصائد وأغنيات ، وإنّما هناك سواعد يذوب الرصاص قبل أن ترخي أصابعها عن الزناد.
رحم الله الشهيد البطل سائد المعايطة وكوكبة شهداء القلعة من رافقوه إلى عليين ، وحماك الله يا ابنتي وكل أبناء وبنات الشهداء الأردنيين من أهلنا الطيبين .