التعديل الوزاري .. الصدمة والترويع!
د. محمد أبو رمان
24-02-2009 06:20 AM
انبثقت "الحكومة المعدلة" من رحم مخاض لم يكن سلساً ومنساباً، في حين لم تقتصر الأحاديث والأخبار الإعلامية على "بورصة الأسماء"، كما هو المعتاد، إذ أضيفت إلى أجواء التعديل (هذه المرة) تحليلات سياسية وتكهنات وتسريبات عن قصص وخلافات تجري وراء الكواليس.
السياسة الصارمة التي اتبعها الرئيس في إخفاء المعلومات والحرص على عدم تسرب الأخبار إلى الإعلام لم تؤد إلى الحد من التسريبات الإعلامية والتكهنات والأخبار، بل ضاعفت من ذلك، وخلقت مناخاً خصباً للشائعات والأقاويل والإدعاءات، وجعلت وسائل الإعلام (أولاً) والرأي العام (ثانياً) ضحية الروايات المتضاربة.
ما هو أسوأ في مشهد التعديل أنّ الوزراء أنفسهم، السابقين والباقين، كانوا ضحية التسريبات الإعلامية وحالة القلق، خلال أسابيع عديدة، وهو ما حدّ من الانتاجية وأربك العمل، وخلق حالة من الغضب والإحباط لدى العديد من الوزراء، الذين لم تكن لديهم أية معلومات حول حقائبهم وأوضاعهم، ودفع بهم إلى متابعة المواقع الالكترونية أو الاتصال بأصدقائهم الإعلاميين لمعرفة أخبار التعديل.
ربما كان الرئيس يسعى في إضفائه طابع "السرية" إلى تجنب الضغوط والتدخلات المتعددة في اختيار الطاقم المناسب، لكنه وقع في فخ آخر وهو ازدهار سوق الإشاعات والأقاويل وخلق مناخا سياسيا وإعلاميا عكّر من صفو عملية التعديل وضخّم من الصعوبات والمشكلات التي تخللتها.
تشكيل الحكومة أو تعديلها هي عملية سياسية ذات أبعاد وطنية عامة، وليست عملاً عسكرياً ينتظر "ساعة الصفر"، ويعتمد على عنصر المباغتة و"الصدمة والترويع"، بل على النقيض من ذلك من المفترض أن يكون هنالك وضوح وشفافية أكبر، على الأقل، فيما يتعلق بأسماء الوزراء الذين سيغادرون أو تتغير حقائبهم، بما يحفظ كرامتهم ومكانتهم، ويضمن السير الطبيعي لعمل الوزارات المعنية.
في السياق، من المبكر أو الظلم الحكم مطلقاً مسبقاً على التعديل، وإن كانت هنالك مؤشرات وإشارات عديدة تضعه في مرتبة "العادي"، غير الاستثنائي، ودون الطموح بكثير، وتطرح تساؤلات وشكوكاً في دواعي وتداعيات تغيير العديد من الحقائب وتدويرها.
ربما "المطبخ السياسي" تحسن قليلاً، وإن كان دون المتوقع والمطلوب، لكن الصدمة كانت على صعيد "المطبخ الاقتصادي"، إذ خلا التعديل من أسماء قوية مرشحة للدخول إلى الحكم وبناء رؤيتها في مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية، التي يتوقع أن تزداد سلبياً خلال الشهور القادمة.
سياسة "الصدمة والترويع" ضربت الإعلام والرأي العام أيضاً في عملية التنقل بين الوزارات، وهي آلية غير مفهومة ولا منطقية، وكأنّ الوزير هو "سوبر مان" قادر أن يتعامل مع ملفات معقدة ومركبة في وزارات متعددة، في الوقت الذي يفتقد الوزير نفسه الرؤية السياسية التي يمكن أن يبرر وجودها تداول الحقائب الوزارية.
إذا كان وزير معين عاجزاً عن إدارة وزارته أو غير راغب فيها، فلا ضرورة أن يبقى في الحكومة، حتى لو على حساب وزارة أخرى! وقد تكون هنالك أسماء أخرى مرشحة وجديرة بتولي تلك الحقيبة، إلاّ إذا كنا نتعامل وفق عقلية "الإقطاع السياسي" و"العلاقة الزبائنية"!
m.aburumman@alghad.jo
محمد أبورمان