«تطابق قيم القيادة والشعب»
أ.د. أمين مشاقبة
18-12-2017 11:14 AM
الموقف الأردني الرافض لقرار الإدارة الأمريكية غير القانوني بأن القدس عاصمة «دولة إسرائيل»، يدل بما لا يدع مجالاً للشك أن الشعب الأردني هو نبض الأمة، وروحها التي لا تنطفئ، إيماناً بالحق المشروع للشعب العربي والإسلامي والفلسطيني بأن القدس في وجدان وضمير الأمة، وأنها أرض محتلة لا بد من استعادتها مهما طال الزمن، وكبرت الصعاب، وتعددت التحديات، وقد أبرزت القضية موقفاً هاشمياً عربياً أصيلاً من قبل الملك عبدالله الثاني المحرك للوقوف مع الحق المشروع مهما كانت التكلفة، فقد كان قائداً رائداً لموقف الشرفاء من العرب في الدفاع عن القدس، كيف لا والشريف الحسين بن علي كان له الموقف نفسه بالدفاع عن فلسطين والقدس، وقد فقد منصبه كملك على الحجاز بسبب تشدده وصلابة موقفه تجاه القدس والمقدسات، فهذا هو الصقر الهاشمي يأخذ الموقف نفسه مع تغير الأزمان.
الهاشميون عموماً هم نبض الأمة في القضايا المفصلية عبر التاريخ الحديث، لم يتوانوا يوماً أو يتراجعوا عن أية قضية عربية وشواهد التاريخ واضحة للعيان.
إن موقف جلالة الملك عبدالله يتماهى مع موقف الشارع الأردني، إذ إن هناك تطابقا بين الموقف الرسمي والموقف الشعبي، وهذا يعني سياسياً مفهوم الشرعية التي هي تطابق قيم النظام السياسي مع قيم النظام السياسي مع قيم الناس (المجتمع)، وبذا فإن الموقف تجاه قضية القدس ساهم في زيادة شرعية النظام السياسي وخلق حالة من الالتحام بين القيادة والشعب في موقف موحد يستند إلى أن القدس عربية ولا يجوز التفريط بها، وأن الملك هو حامي وراعي القدس، وحامي المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، والوصاية الهاشمية هي قائمة للأبد لا يؤثر فيها قرار سياسي هنا أو هناك. فالدور الأردني الهاشمي هو تاريخي لا ينفصل ولا ينفصم ولا يتراجع عنه مهما كانت الظروف.
وباعتقادي فإن الحالة يجب أن تستثمر في تعزيز الجبهة الداخلية وبناء المناعة الوطنية الأردنية، واستثمار حالة الالتحام والتوحد خلف القيادة الهاشمية لإسناده في المحافل الدولية، واللقاءات العالمية، والإقليمية؛ لتعزيز موقفه وتجذير سياساته القومية العروبية تجاه فلسطين وقدس الأقداس، لما لها من رمزية دينية ومكانة عالية في نفوس الأردنيين وشرفاء العرب.
إن السلوك السياسي للقائد يتعزز بالوقفة الشعبية الجماهيرية حول مواقفه، إذ يشكل الإسناد والدعم لأي سلوك سياسي، فالشعب الأردني الطيب الأصيل عبر عن رأيه وموقفه المتماثل مع موقف قيادته، ومن هنا لا بد من استمرار هذا الموقف لتعزيز الدور السياسي لجلالة الملك في كل المحافل والمواقف وعلى كافة الأصعدة، والملك في هذه الحالة يحتاج لأدوات تسانده وتعزز موقفه، فالأدوات، والشخوص يجب أن يكون لها المكانة في المساهمة في تعميق الدور السياسي للقيادة.
إن استثمار حالة التطابق بين قيم القيادة والشعب يحتاج كذلك لأدوات وسياسات وممارسات تنظر بعين الرضاء للشعب واحتياجاته وتسعى لحل مشاكله، وتخلق له معطيات جديدة تسانده على العيش الكريم، وتتفهم أوضاعه على كل المستويات، وذلك لإبقاء حالة التلاحم وتعزيزها والاستفادة منها أو توظيفها لإسناد الدور السياسي للقيادة، الدور العروبي النبيل الصادق الذي يعبر عن وجدان الأمة في الحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية.
لقد شهد الأردن حالة نادرة لم يحدث مثلها إلا عندما وقف الحسين مع العراق الشقيق باحثاً عن حل عربي، مبتعداً عن التدويل، هذه الحالة النادرة التي يجب البناء عليها وإدامتها في ظل صعوبة الأوضاع وتكاثر التحديات تحتاج إلى مراس سياسي مميز وأداء كفوء على كل المستويات الرسمية والشعبية، هناك العديد من الصفحات على مستوى الجبهة الداخلية لا بد من التعامل معها صفحة صفحة، وبطريقة علمية واقعية للمساهمة في حل لغز كل صفحة والعمل على تذليل الصعاب واحدة تلو الأخرى.
إن التفاعل والتعامل مع تلك التحديات يتطلب نفساً طويلاً وجهداً مميزاً ورجالا من ذوي الهمة العالية لا ينفذ لهم صبر، قادرين على التضحية.
إن بقاء حالة التلاحم بين القيادة والشعب ذو مدلولات سياسية كبيرة لمن يفهمها، ولا بد من الاستمرار في إبقاء حركة الحالة قائمة، ومن المعروف أن الشعب الأردني العريق لديه اعتزاز عالٍ بوطنه وقيادته ونظامه السياسي، وهذا جزء لا يتجزأ من الثقافة الإسلامية العامة التي يجب أن يبنى عليها لإبقاء حالة التطابق القيمي والسياسي بين القيادة والشعب.
* أستاذ العلوم السياسية / الجامعة الأردنية