-1-
على عكس كل من توقع أن تتحرك جماهير الأمة وشعوبها لفترة ثم تخبو جذوة الغضب، ها هي القدس وقرارات الأهوج ترامب تعيد «كهربة» المشاعر الوطنية والقومية والدينية في طول الأرض وعرضها، فلم يبق مكان في هذه الكرة الأرضية إلا ومسه قرار القدس، وكنا نظن أن الأمة ماتت، وتبلدت أحاسيسها، فإذا بهذا المجنون يعيد لها الحياة من حيث لا يدري ولا يريد بالتأكيد!
-2-
القدس في المخيال الشعبي العربي رمز ديني ووطني وقومي، لا انفكاك بين أي عنصر من تلك العناصر، وكذا هو الأمر بالنسبة لليهود وللمسيحيين الإنجيليين، الذين يتطلعون لبناء الهيكل الثالث، توطئة لعودة المسيح واعتناق اليهود للمسيحية، وخلاص العالم، لكل طرف من أطراف «النزاع» سببه لأن تكون للقدس مكانة خاصة في وجدانه، لا يهمنا هنا ما تكون القدس بالنسبة لليهود، المهم ما تكون بالنسبة لنا عربا، مسلمين ومسيحيين، إنها بوابة السماء وارض المحشر، وأقصاها هو ثاني مسجد وضع للناس على الأرض بعد الحرم المكي، من المجنون الذي يمكن أن يصدق أن مسلما أو عربيا يمكن أن يتسامح مع ترامب بعد ارتكاب حماقته تلك؟ المهم هنا كيف نحول هذا «التماس الكهربائي» الذي شحن الجسد النائم إلى طاقة خلاقة، فعالة، ومنتجة؟ هذه ليست وظيفة الحكام فقط، بل وظيفة الجميع، عملية نقل السفارة اللعينة إلى القدس ستستغرق سنتين منذ الآن، قضية القدس ستبقى قائمة، والمهم كيف تبقي الجمرة متقدة، الأجوبة السريعة هنا لا تجدي وقد لا تكون غير ممكنة، هذه الأسئلة يجب أن تكون مطروحة على النخب العربية والإسلامية، وكل من يحمل هم المشروع النهضوي العربي، لأنها من الأهمية بمكان، خاصة بعد أن وصلت الأمة إلى شفير الانهيار والضياع!
-3-
«انتفاضة الفلسطينيين» لم تكتمل بعد، أعني لم تزل هبة أو عواطف جياشة، المعلومات تقول إن من يمنع تحولها إلى انتفاضة حيرة الناس في فلسطين، بين ما هو قائم وبين ما يتطلعون إليه، إضافة إلى أن الفصائل الفلسطينية لم تتخذ بعد قرارا بهذا الشأن، من العبث هنا دعوة النظام العربي الرسمي إلى حث هذه الأطراف على «السماح» بالانتفاضة الشعبية، النشاط الشعبي خارج فلسطين الرافض لقرار ترامب وللاحتلال مؤثر ومهم، لكن الأهم هو ما يوجع الاحتلال على الأرض الفلسطينية، فدون انتفاضة شعبية فلسطينية لن يدفع الاحتلال أي ثمن لقرار ترامب، المطلوب انتفاضة فلسطينية، كيف؟ هذا سؤال كبير، مطروح على كل من له أدنى اهتمام بالقدس وفلسطين!
أي «تماس كهربائي» ينتج طاقة كبيرة، التحدي هنا هو كيفية تحول هذا الطاقة إلى عمل منتج، يعيد تعريف الحدث ويعيد إنتاجه، والأهم يخرب ما يخططون له من انحدار سحيق !
الدستور