منذ أكثر من ثلاثة شهور تغيرت وتعقدت ملامح التحالفات في المنطقة، فعلى وقع التوجهات الصهيونية الفاقعة لإدارة ترمب دخل ما يسمى محور الاعتدال العربي نفقا مظلما، ودبت في صفوفه رؤى ومواقف متصارعة تزامنت مع الخلافات الشديدة والقوية داخل المنظومة الخليجية هذا علاوة على الخلافات القديمة الجديدة بين جزء من المنظومة الخليجية والمحور الإيراني الذي يحلو له تسمية نفسه بمحور «المقاومة».
فالخريطة السياسية للمنطقة باتت تضم ثلاثة تكتلات: الأول نصفه خليجي بالإضافة لمصر في مواجهة قطر، والثاني: هو تكتل جديد برز في قمة اسطنبول يضم الأردن وتركيا وفلسطين، والتكتل الثالث هو التكتل الإيراني وتوابعه في سوريا والعراق والى حد كبير في لبنان، أما إسرائيل فقد أضحت متحررة من كل قواعد اللعبة التي أنتجها الصراع العربي – الإسرائيلي منذ حرب حزيران عام 1967 وتحديدا في مفهوم «الإخوة والعداوة» وذلك بعد قسوة العداء العربي – العربي وإفرازاته «الشاذة» التي جعلت مفهوم التحالف والصداقة أو مفهوم الإخوة والعداء، مفهوما ظرفيا وضبابيا لا يخضع لأية اعتبارات قومية أو لأية اعتبارات تتعلق بالأمن القومي العربي.
ما زلنا نعيش هول الصدمة والمفاجأة من المواقف المنسلخة تماما عن العروبة والتي أخذت « تتشمت» بالشعب الفلسطيني ومعاناته وتسخر من نضاله وتعلن التعاطف مع إسرائيل والاسرائيليين، وهي موجة من الانحلال والانحدار القيمي والفجور لم يسبق أن خاضها العرب ضد بعضهم البعض منذ بداية القرن العشرين بل اجزم حتى في العهد الجاهلي وزمن (داحس والغبراء) لم تحصل.
الخطير في الموضوع هو إن كانت تلك الأصوات والآراء خرجت إلى العلن برعاية رسمية وتحديدا التي نشطت على منصات وسائل التواصل الاجتماعي والتي نجحت وبكل أسف في صناعة حالة من العداء الشديد بين الشعب الفلسطيني وبين تلك الشعوب العربية، وهو احتمال استبعده، فيما أرجح بالمقابل وجود دور إسرائيلي في تخطيط وتنفيذ مجمل عملية الصدام الحاصل حاليا على وسائل التواصل الاجتماعي فالاحتلال الإسرائيلي يملك وكما هو معروف قدرة فائقة في التأثير على وسائل التواصل الاجتماعي على مستوى العالم من خلال توظيف أسماء وحسابات وهمية على تويتر والفيس بوك وانستغرام تنشط وفق خطة محددة ومضامين مدروسة لزيادة الكراهية أو تأجيج الفرقة أو تشويه الصورة لحالة من الحالات.
كان مؤسفا ومؤلما جدا أن نرى ونحن في ذروة الغضب من قرار ترمب خروج «المتصهينين الجدد» في فيديوهات و«بوستات» تمتدح القرار وتعتبره عادلا وانتصارا «للحق اليهودي» في القدس، والمريب أن هؤلاء الأشخاص الذين ظهروا في تلك الفيديوهات لم يخفوا وجوههم أو ملامحهم، وبعضهم معروف الهوية ومكان الإقامة غير عابئين بأي رد فعل يمكن ان يصدر ضدهم، فهل هذا الأمر يعكس «رضا مجتمعيا» عن هذه الآراء أم ماذا ؟؟.
إن استثمار عديمي الثقافة والوعي والأغبياء هو «سوق مفتوح» ومتاح للذين يريدون ولوجه ، وهو سوق تتحكم به إسرائيل وأدواتها بشكل كامل حسب الكثير من التقارير الصحفية الإسرائيلية سواء من الناحية التقنية البحتة أو من حيث تجنيد « المراهقين سياسيا « وإقناعهم بالشهرة التي سيحصلون عليه من وراء ذلك ، أو حتى بالإغراء المالي مقابل ذلك وهذا حدث ويحدث في بعض الدول العربية.
إن هذا النوع من الحروب الجديدة التي باتت تشن ضد الشعب الفلسطيني ونضاله وتسخيف تضحياته أو«إنكارها» هو أشبه ما يكون بمرض أخلاقي _ سياسي ليس من المنطقي السكوت عنها ، فأدوات هذه الحروب الجديدة من أشخاص سينتقلون « غدا « لتحطيم قيم بلدانهم الوطنية والدينية والاجتماعية وهو ما يستدعى التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة من الآن وفورا ، قبل أن تتحول عملية الإطاحة بقيمنا ومبادئنا ومقدساتنا مسالة عادية لا يجرى التوقف عندها أو اعتبارها جزءا من ( حرية الرأي أو مجرد وجهة نظر ).
الراي