ليس الجديد في التعديل الحكومي انه لا يهم اكثر من بضع عشرات من النخب في عمان وما حولها، لكن الجديد انه كشف لنا ان حالة الاستقطاب والصراع الشخصي الذي دفع المشهد العام له ثمنا غاليا خلال الاشهر الماضية مازال حاضرا بقوة، وأن الحكومة، كإطار سياسي، هي من بقايا حالة الاستقطاب السلبية، وان التعديل لم يدخل بالحكومة إلى مرحلة استقرار بقدر ما كان مثل الامطار التي تكشف عيوبا في الطرق والبنية التحتية.
الحكومة بعد التعديل أضعف حالاً عما كانت عليه قبل التعديل، والتعديل كعملية سياسية تحتاجها الحكومات لإنعاش قدراتها كان عكسي التأثير على الحكومة والرئيس، لأن هذه "الطلقة الاخيرة" لتقوية الحكومة تم اطلاقها في الهواء، بل انها اصابت بالضرر الصياد او مطلقها.
والارتباك الذي ظهر خلال الايام الماضية أكد أن التعديل ليس على اسس منهجية، وليس له دلالات باتجاه حل مشكلات الفريق الوزاري والضعف الذي كان يعاني منه، أو باتجاه اعطاء الحكومة مضمونا سياسيا وقوة دفع. فالأمر كان في جوهره حل المشكلات وإزالة العقبات وليس بناء فريق وزاري قوي.
أغلب الوزارات لو لم يتم عليها التعديل لما تغير شيء، وبعض الوزارات مشكلتها ليست في اشخاص الوزراء، بل في صلاحيات الوزارة ودورها. واحتاج الرئيس اياما طويلة حتى يستطيع ان ينجز تعديلا في معظمه شكلي، وهي رسالة نجح خصومه في ايصالها بأن الرئيس عندما فقد السند الذي كان عند التشكيل اصبح التعديل بالنسبة له دوامة وورطة احتاجت اربعة ايام او اكثر من الشد والجذب.
فإذا كان الرئيس قد غرق في تعديل شكلي، فكيف يكون قادرا على ادارة عام اقتصادي صعب ومرحلة سياسية مهمة. هذا إذا كان للحكومة القدرة والرغبة في الخروج من مقاطعتها للملف السياسي، الذي تنازلت عنه طوعا، منذ التشكيل، وبعد التغييرات لا يزال لا يجد له ابا يرعاه.
سياسياً، فإن الرئيس خسر معركة التعديل، وأرواح قادة الاستقطاب السابق كانت حاضرة في مفاصل التعديل، وبغض النظر عن دقة التحليل فإن هناك اتفاقاً سياسيا بأن الحكومة لم يعد من عمرها إلا شهور، وانها اقرب الى حكومة تصريف الاعمال.
وأظن ان خصوم الحكومة لم يكونوا معنيين بأسماء معظم الداخلين والخارجين، بل بإظهار الرئيس غارقا ومرتبكا في ادارة التعديل، وهذا ما قد حصل. ولهذا كان متداولا من بعض المخلصين للرئيس ان الاستقالة والخروج من الموقع قد كان خيارا اكثر ايجابية من الغرق والارتباك والخسارة السياسية التي تركها التعديل على صورة الرئيس وحتى على الحكومة.
لو كان التعديل طارئا وسريعا لكان بعض الارتباك مبرراً، لكن التعديل يتم الحديث فيه عمليا منذ اسابيع طويلة، فما جرى من الذهاب الى خيارات في اللحظات الاخيرة او الذهاب نحو خيارات غير مناسبة عمليا يشير الى ضعف في ادارة التعديل.
ولعل المثال المباشر رئيس ديوان المظالم، الذي بدأ عمله منذ اقل من شهر كمؤسسة رقابة وإنصاف للناس، وفجاة يتم انتزاع الرئيس الى موقع وزاري عادي وترك مؤسسة ناشئة تعاني من فراغ، وهي في ايامها الأولى، فأي إشارات يتركها مثل هذا التفكير، فضلا عن امثلة اخرى لا مجال لذكرها، وحتى بقاء التعديل مجهولا حتى اللحظات الاخيرة فهو دليل على مشكلة تجعل من هذا التعديل محطة سلبية في مسار الرئيس، وليس كما هي الاهداف النظرية من التعديل.
القضية ليست في الاسماء، رغم اهميتها، عندما تكون لأصحاب تأثير، لكن كثرة الحديث عن التعديل سياسيا وإعلاميا، جعل من نتائجه المتواضعة تنقلات بين عدد من المسؤولين العاملين والمتقاعدين ودخول أسماء إلى وزارات بعضها فقد دوره وليست أكثر من مبنى ووزير وبعض النشاطات.