القادم هو الأصعب ليست عبارة غاضبة او كلاماً يطلق في الهواء، وليس من باب زيادة جرعة خوف المواطن الاردني والعربي، او من اجل زيادة حجم الاحباط الموجود اصلا لدى الشعوب العربية، بل هو كلام سياسي واقعي يتولد من خلال النظر فيما جرى ويجري في الإقليم والواقع العربي، ومن خلال معايشة الواقع الذي نعيشه ونتجرع مرارته في صبيحة كل يوم وبعد كل غروب، ومعرفة الواقع على حقيقته ضرورة ملحة وليس من قبيل الفكاهة والتسلي وتضييع الوقت بالثرثرة.
النظر الدقيق في مستقبلنا ومستقبل منطقتنا وواقعنا القطري والإقليمي، يمثل المخرج السليم من هذا الواقع المؤلم حتى لا يكون الاستغراق في الماضي مجلبة لعودة الخلافات وإعادة الاستنساخ لمنهج الشرذمة والفرقة بين مكونات الأمة، بل يجب تجاوز الماضي وجراحاته والانطلاق نحو الانشغال في كيفية مواجهة الأزمات القادمة الأكثر صعوبة وتعقيداً والأشد خطورة على وجودنا الجمعي الذي أصبح عجينة بيد أعدائنا وخصومنا يعيدون تدويرها وإعادة تشكيلها على النحو الذي يحقق مصلحتهم ومستقبلهم.
نحن الآن في العالم العربي، نشهد تطبيق مرحلة جديدة من عدة مراحل متتابعة عبر مخطط معلن من قبل «الإسرائيليين» وحلفائهم، والمصيبة أن العرب يعلمون بهذا المخطط ويعرفون مضامينه وخطواته كما يعرفون أبناءهم ولكنهم كانوا يتجاهلون الحقائق المُرّة، ويمارسون الإنكار الساذج المضلل، بل الأخطر من ذلك أن هناك تواطؤا مقصودا ومغلفا بالقدرة على استغفال الشعوب وتمرير الوقت، ونحن نقترب من لحظة الحقيقة ووقوع الخطر، فلقد رأينا انجاز المرحلة الأولى من تأسيس (دولة إسرائيل) عام 1948 وما صاحب ذلك من استنكارات عربية وبيانات ومؤتمرات وخطابات، ودخول الجيوش العربية إلى فلسطين، وكانت النتيجة أن المرحلة الأولى أصبحت حقيقة قائمة ومنظورة، ومعترف بها من أغلب دول العالم، وتغاضى العالم بأكمله عن اقتلاع شعب وزرع شعب جديد مكانه.
جاءت مرحلة ثانية من مراحل نمو الدولة المحتلة في عام (1967)، وصحب ذلك ما صحب المرحلة الأولى بالطريقة نفسها والمضامين نفسها، لتؤكد «إسرائيل» بأنها انتقلت نحو خطوة ضرورية في تعزيز سيادتها على أرضها وحفظ أمن شعبها، وما زالت «إسرائيل» تحتفظ بمعظم ما احتلته (الضفة والجولان)، أما سيناء فقد وصف «القادة الإسرائيليون» أنهم أعادوا انتشار (الجيش الإسرائيلي) فيما يخص سيناء بطريقة سلمية بناء على تقدير مصلحة (دولة إسرائيل) ومستقبلها.
ما هي معالم المرحلة الجديدة التي يراد صناعتها وإبرازها وتقريرها تحت مسميات كثيرة منها «صفقة القرن»، فيما يخص المنطقة كلها؟ وماذا تريد الولايات المتحدة بإدارة ترامب من الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة (إسرائيل)؟!، فهذا يعني الانتقال نحو مرحلة جديدة يظنون أن الوقت أصبح مناسباً لإعادة تدشينها من خلال النظر في الواقع العربي وخاصة فيما يتعلق بالأقطار العربية الكبرى.
«إسرائيل» تعتقد من الناحية الدينية والسياسية والتاريخية أن الأردن جزء من أرض «إسرائيل»، وأن (سيناء) جزء من أرض « إسرائيل « كذلك ! ومسألة بسط سيادتها عليها مسألة وقت وتقدير للظرف المناسب، ولقد قال نتن ياهو إبان فترة حكمه الأولى عندما عاد من زيارته للأردن، لقد جئت من ضفة إسرائيل الشرقية بدون ذرة حياء، ولذلك إعلان القدس عاصمة موحدة ابدية بتأييد أمريكي ما هو إلا تمهيد لإعلان المرحلة القادمة، وقد تم استشارة عدد من الأطراف العربية بالموضوع.
أشد معالم الخطر يتجلى بأن العرب ما زالوا يمارسون ردة الفعل نفسها التي تمت عام (48) التي تعد نمطاً من أنماط الارتجالية والغضب العاطفي، ولم يضع العرب حتى هذه اللحظة قدمهم على طريق المعالجة الصحيحة، بل يمكن القول أنهم أكثر ضعفاً وأشد تفرقاً وتشتتاً، مما يعني بالعربية الفصيحة أن الوضع القادم أشد خطورة مما مضى والأفق أشد قتامة، إلا في حالة واحدة أن يتم البدء و الشروع في تغيير الذات العربية وإعادة بنائها سياسياً واقتصادياً وعلمياً بطريقة تجعلها قادرة على حفظ اوطانها ومقدساتها.
الدستور