ما يخشاه الأردن وما يخفيه الحلفاء
فايز الفايز
17-12-2017 10:04 AM
سؤالان يقفان كجبلين متقابلين لا يلتقيان في عمان، يتبعهما سؤالان بالمعية، الأول: ما الذي يخيف الأردن؟ والثاني: ما الذي يخفيه الحلفاء عن الأردن، ولعل السؤال الثاني هو نصف إجابة الأول، فما تخفيه عواصم عربية من تفاهمات مع واشنطن وتل أبيب، يشكل أرقاً للإدارة الأردنية ويجعلها تطرح متوالية الأسئلة وأهمها ما الذي قصرنا به، ما الذي أخطأنا به، وما الذي تغير حتى يختبئ
الجميع ويتركنا وحدنا نجابه قرارات ظالمة تتخذها الإدارة الأميركية بِناء على مزاجية رئيس غرّ ومغرور، يعتقد أن الساحة السياسية العالمية هي بورصة نيوورك أو حلبة مصارعة أميركية، ولكن الأردن ليس لديه ما يخسره إذا قرر الإنفصال والمواجهة وحيدا، والتاريخ شاهد.
السؤلان التابعان: إذا كان قرار ترمب الإعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لدولة «يهودية» إسرائيلية هو قرار غير مهم بالنسبة لدول عربية وإسلامية لا ترتبط بفلسطين او القدس بشكل عضوي أو على أساس عروبي وديني، فلماذا لم يخرج الجميع الى مؤتمر إسطنبول والقمة الإسلامية التي حضرها الرئيس الفنزويلي أيضا، فيما غاب عنها، مثلا، الملك محمد السادس وهو رئيس لجنة القدس خلفا لأبيه والمنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي التي تأسست عقب هبة الأقصى 1969 بعد إحراقه، وهل القدس بمقدساتها إسلامية ومسيحية اليوم هي غير القدس في ذلك الزمن؟!.
السؤال الآخر: هل سيغضب ترمب وأصدقاؤه من الأردن أذا استدبر واشنطن وتل ابيب وأصدقاءهما واستقبل إيران وتركيا وغيرها من دول عالمنا و سمح بتفوق العلاقات مع دول الخصم وفتح أسواقا سياسية جديدة قد تزعج الحلفاء، أم أن العرب يراهنون على سياسة النفس الطويل التي يعتمدها الأردن منذ تأسيس دولته قبل ستة وتسعين عاما، ودون المطالبة بتعويضات الأخ الأصغر الذي تحمل المسؤولية عن أشقائه الكبار منذ عام ١٩٤٨ ما بين حروب واستيعاب لاجئين وتفاوض مع العالم الغربي، أم إن تل أبيب باتت أقرب من عمان للقلوب،
وواشنطن أقرب منها للجيوب، يسأل سائل ولا أحد يجيب.
لقد قدم الأردن كل ما يمكن لدولة كبيرة وقوية ان تقدمه، وكانت قيادته من أشجع وأذكى القيادات العربية في ثلاثة عهود ملكية بدأت بالملك المؤسس عبداالله الاول فالملك الحسين حتى الملك عبداالله الثاني، ولكن الشجاعة والذكاء لا يمكن مقايضتهما في سوق الميكافيلية السياسية العربية. فعبداالله الاول قضى على أسوار القدس غدرا لأنه أدرك إن لم يجمع الضفتين في دولة واحدة ستبتلع إسرائيل ما تبقى من فلسطين على أساس أنها أخذت أراضي دولة منهزمة» تركيا» آنذاك، والحسين تعمق جيدا في درس الجغرافيا والتاريخ، وتمسك بالضفة الغربية والقدس، لأنه لا يريد أن يعيد الجغرافيا السياسية الى ما قبل 1948 ،وكان مصرا على بقاء الضفة ضمن المملكة الى حين إنهاء الإحتلال وقيام دولة فلسطينية ناجزة، ولكن الجميع كان يرفض ذلك.
الملك عبداالله الثاني اليوم هو وريث هذا الصراع السياسي التاريخي، ما بين ولاية القدس والشرعية الدينية والسياسية وبات كاهله ينوء على حمل هذه الخلافات في الشارع الفلسطيني والعربي والإقليمي والدولي، وباتت الحرائق السياسية تأكل كل منجزاتنا التاريخية، وهذا كله يصب في صالح الحكومة الإسرائيلية التي لن تخلص لأحد خارج دائرة مواطنيها، ولو تراجع ترامب غدا عن قراره لفتحوا عليه بوابات الجحيم، وهذا حدث مع بوش الإبن ومع أوباما من بعد، ومع هذا لا يزال الملك يراهن على قوة وإرادة الشعبين و ما تبقى من حكمة لدى القيادات العربية لتراجع مواقفها من القرار الكارثي.
وقريبا من الحدث يثور السؤال الأخير: الى أي مدى من الممكن أن تتحمل الإدارات العربية مزاجية ومتغيرات العقلية عند الرئيس ترمب الذي قد
ينقلب على أصدقائه فجأة ويدعم آخرين، فهو إنكشف عن رئيس ليس له مزاج سوي، يميل الى الصهيونية اليهودية أكثر مما يميل الى الدستور الأمريكي، ويحتفل بمراسم « الحانوكا» في البيت الأبيض ليسعد حفيديه، فيما أخذ ما يريد من العالم العربي الذي يريد أن يجففه من الأموال بذريعة تجفيف مصادر دعم الإرهاب، وهذه بدعة شيطانية، ستعيد الإقتصاد العربي الى التسول على أبواب البيت الأبيض مجددا كي يرضى عنهم جميعا، فيما الجميع يشاهد الحلقة الأخيرة من مسلسل القدس، وهي السقوط للجميع.
الراي