لهذا يذهب جلالة الملك إلى الفاتيكان
الاب رفعت بدر
16-12-2017 03:30 PM
يتوجه جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم بعد يومين إلى حاضرة الفاتيكان، وهي ليست الزيارة الأولى لجلالته إلى هذه الحاضرة الفريدة، وإنما قد سبقها زيارتان؛ الأولى ليبارك للبابا فرنسيس في عام 2013، والثانية قبيل زيارة البابا فرنسيس إلى الأرض المقدسة والتي بدأها من الأردن في ايار ٢٠١٤.
بعد مضي 13 عامًا على بدء ونشوء العلاقات الدبلوماسية بين الأردن والكرسي الرسولي، يفتخر الأردن باحتضانه أربع زيارات بابوية: عام 1964 للبابا بولس السادس، وعام 2000 للبابا يوحنا بولس الثاني، وعام 2009 للبابا بندكتس السادس عشر، وعام 2014 للبابا فرنسيس. وبعد عدة زيارات قام بها جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال إلى حاضرة الفاتيكان، ومن ثم زيارات متتالية قام بها جلالة الملك عبد الله الثاني، تأتي هذه الزيارة إلى حاضرة الفاتيكان لمقابلة رأس الكنيسة الكاثوليكية بظروف استثنائية، وبأحداث تخص الطرفين في الصميم.
إنها قضية القدس الشريف، إنها قضية المقدسات، إنها قضية الإرث الهاشمي بالوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية. إنها قضية شعب فلسطيني ما زال يتألم منذ عقود من الزمن، ويرنو إلى أيام مصالحة، لا بل أيام استقلال كامل على ترابه الوطني، بتأسيس دولته الوطنية المستقلة على ترابه الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف.
وبعدما ألقى جلالة الملك خطابًا تاريخيًا في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي الاستثنائي في اسطنبول الاسبوع الفائت، وقال بأن القدس في وجدان كل مسيحي وفي وجدان كل مسلم. وبعد الشجب والاستنكار من حاضرة الفاتيكان لأي مساس بالقدس الشريف ذلك لأنها مدينة فريدة من نوعها تاريخيًا وثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا، وكذلك دينيًا. قال الفاتيكان كلمته بأنه لا يجوز المساس بوضع القدس الراهن، بل يجب الحفاظ عليه، وقال كذلك يجب العودة والرجوع إلى مقررات الأمم المتحدة فيما يخص هذه المدينة الفريدة.
وقد وقف قداسة البابا إبّان زيارته المذكورة في القدس الشريف، وتحديدًا أمام قبة الصخرة المشرقة المشرفة، غير بعيدة عن كنيسة القيامة التي تبرع الملك لترميم القبر الفارغ فيها، ودعا إلى وحدة جميع أبناء إبراهيم في لصلاة في هذه المدينة، ذلك أن حق أبناء إبراهيم المنتمين إلى الديانات الثلاثة الإسلامية والمسيحية واليهودية هو حق مقدس، بأن يكون لهم أماكن عبادة مفتوحة لهم بحرية دينية، على أن تكون القدس أيضًا مقدسة ومصانة من قبل شعبين، لا من قبل شعب واحد، ولا تتأثر بقرار سياسي يتخذ على بعد عشرات الآلاف من الأميال بأن تقول أن القدس أصبحت يهودية أو عاصمة لإسرائيل.
قلوبنا مع جلالة الملك في هذا اللقاء التاريخي مع قداسة البابا ، وهو لقاء يسبق بأيام قليلة عيد الميلاد المجيد، لكي إن شاء الله يقول قداسة البابا كلمته ليلة العيد ونهار العيد، وعلى بعد مرمى حجر من العام الجديد 2018، بأن يقول قداسة البابا لا يجوز لشخص ما أن يستأثر بالقدس أو يحتكرها أو يعتبرها ملكًا لنفسه، أو لأصواته الانتخابية، أو لكرسي رئاسة. إن القدس مقدسة وهكذا ستبقى.
لذلك فإن جلالة الملك بلقائه الوشيك بقداسة البابا فرنسيس وهو اللقاء الرابع لهما سوف يكون تكريسًا لدبلوماسية باتت محط انظار وموضع تقدير في العالم أجمع. إنها دبلوماسية الحكمة، ودبلوماسية اتخاذ القرارات بما يخدم الشعوب لا بما يفرقها، بما يوحدها لا بما يهدم العلاقات الطيبة والصداقات بين مختلف الشعوب في هذه المنطقة الفريدة.
دعاؤنا إلى الله أن يوفّق جلالة الملك في مسعاه في نقل معاناة القدس والعالم الى المنابر الدولية اعلاها، وأن يوفّق قداسة البابا في أن يقول كلمة تضاف إلى ما قاله بحق الشعوب المغلوب على أمرها، وبحق الشعوب المضطهدة، وبحق الشعوب المتألمة، وبحق الشعوب المحتلة أراضيها، والتائقة إلى أيام سلام وطمأنينة واستقلال أسوة بسائر شعوب الأرض.
سيدنا البابا وسيدنا الملك، حياكما الله في مساعيكما المباركة من أجل الإنسان والإنسانية، ومن أجل القدس الشريف التي توحدنا أكثر من ذي قبل في هذه الأيام العصيبة. حفظكما الله وأعانكما، وحفظ كل من يعمل من أجل الخير والطمأنينة والسلام لخير البشرية جمعاء.