تفتقد غالبية الأمة العربية على وجه التحديد منذ مدة أي توافق حقيقي بين القيادة والشعب، في الآمال والطموحات وأسباب القوة والعزة والنهضة، ربما أسباب ذلك كثيرة ليس من المناسب الحديث عنها الآن، فالظرف الآن شديد عصيب، والتحديات تلزمنا أن نتناسى اللوم والنقد، والواقع يدعونا أن نكون صفا واحدا متماسكا متآلفا، قد تختلف وجهات نظرنا، ولكن لا بد من التركيز على الأهم، ولا يمكن أن تكون لنا قوة واحترام إلا بتوحيد الجهود وتقدير بعضنا لبعض.
من أعظم الحرج عند المصلحين والدعاة أن يكونوا في واد وقيادتهم في واد آخر، أو أن يكون بينهم فصام تسهم في تعظيمه جهات كثيرة داخلية وخارجية، واليوم نرى الموقف الأردني المشرّف تجاه قضية مصيرية ربما هي أهم أسباب أزمات المنطقة، والتي بسببها حُكِم على أمتنا أن تبقى متخلفة متناقضة، فآن الأوان أن تتوحد كلمتنا ووجهتنا وبوصلتنا قيادة وشعبا، باتجاه نهضة عامة ووعي شامل تعيدان لنا كرامة مسلوبة، ومقدسات مدنسة، وحقوقا منهوبة، ومن بعد ذلك نهضة يعرف الغرب على وجه التحديد تاريخها وعنفوانها.
نؤيد جلالة الملك على مواقفه وحرقته على المقدسات، ووقفته أمام التحديات التي تريد إعاقة رسالة الهاشميين والأردن وفلسطين، هو قدرنا أن لا يفهم القريب قبل البعيد أبعاد الواقع وحقائقه، فهي فرصة يا جلالة الملك أن نعيد ترتيب بيتنا الداخلي، لنكون صفا منيعا قويا متماسكا في وجه التحديات، والتي ربما مع مرور الزمن تزداد، ولكن العاقبة دائما للمتقين والصادقين، والتاريخ سيسجل أحداثا ومواقف، يزهو بها أفراد وأقوام وشعوب، وآخرون ليس لهم إلا الخزي والعار، إنْ في الدنيا أو في الآخرة.
نريد يا جلالة الملك وضوحا في الرؤية أكثر، وصمودا على الموقف فهو مشرّف، كن مع الله ولا تبالي، فحين يكون القصد هو الله، فلن يخيّب الله المخلصين الصادقين، والأمر كله بيد الله، يصرّف الأمور وفق مشيئته، والمهم أن نكون معه سبحانه.
لتكن الحكومة منسجمة مع إرادة الشعب، فليس لكم يا جلالة الملك بعد الله إلا الشعب الواعي الحريص عليكم كما هو حريص على نفسه، وحريص أيضا على مقدساته وأقصاه وأمته كلها، فالأمة كلها في أعناقنا، يسرنا ما يسرها، ويحزننا ما يحزنها.
آن الأوان لأحرار العالم أن يعوا الحقيقة، وأن تضغط الشعوب الحرة على حكوماتها أن تقف مع العدل، ولا بد للاحتلال الصهيوني أن ينتهي، ولا بد للدم العربي أن يقف نزيفه، ولا بد لآهات الشعوب الأخرى المنكوبة أن تُنصَف ويوقَف المعتدي.
نريد أردننا متآلفا متماسكا ومتحابا، يلتقي الشعب مع قيادته ويلتف حولها من أجل كرامة الإنسان وتحريره وتحرير المقدسات وإنهاء كل ما يزدري الإنسان والمقدسات، وليعلم اليهود ومن وراءهم أن إرادة الشعوب ومبادئها لا يمكن أن تتشوه أو أن تُنسى، فالأيام دُول، والحق لا بد منتصر ولو بعد حين.
الشعب لن يخذلك يا جلالة الملك، والحركات والأحزاب على اختلاف توجهاتها خاصة الإسلامية لن تخذلك، فلنسر في درب النصر والتفاهم والعزة، فالأقصى يوحدنا تماما كالكعبة، لا فرق بينهما، ونملك من مقومات القوة الكثير الكثير، فالإنسان بعقيدته ومبادئه، لا بمظاهر زائلة، هكذا كنا وصنعنا المجد والسعادة للإنسانية، ووعد الله تعالى كائن لا محالة بنصرة القوم المستضعفين المظلومين، وما ذلك على الله بعزيز.