-1-
الحيرة والخوف والقلق والأمل وعدم اليقين، كلها مشاعر تسيطر على الملايين من أبناء هذه الأمة، وهم يرقبون ما يجري حولهم، حتى دهاقنة السياسة والتفكير الاستراتيجي والمحللون والكتاب، لا يقلون عن العامة شعورا بالقهر والضبابية والعجز عن التنبؤ بالمستقبل، فما يحدث كما يبدو أكبر من كل توقع، وما يستجد بشكل يومي أكبر من القدرة البشرية على الاستيعاب، وفي ذروة هذه المشاعر المختلطة، ننسى حقيقة بسيطة...واجهت مريم ابنة عمران موقفاً صعباً ..ومع ذلك قال لها الله كُلي واشربي و قري عيناً؛ فعش حياتك، ولا ترهق نفسك بالتفكير حينما يتعسر الخروج من المأزق، فالله عنده حسن التدبير!
هذا ليس استسلاما للهزيمة أو تسليما بوهم، هذه عقيدة، فحين تغلق أبواب الأرض كلها، يبقى باب السماء مفتوحا، حتى قبل أن يُطرق!
-2-
أما قيس بن الملوح، فلديه درس آخر، وإن كان في السياق نفسه، فكلما شعرت بالحصار والقهر واشتدت عليك مساومات الحياة اليومية، وقهرها، يهبط عليك نداء (قيس بن الملوح) أو مجنون ليلى حين تعلق بأستار الكعبة وصاح: اللّهم زدني لـ(ليلى) حبا ، وبها كلفا، ولا تُنسني ذكرها أبدا، وقد كان أبوه قال له: تعلّق بأستار الكعبة وأسأل الله أن يعافيك من حبّ ليلى!
ولكل منا ليلاه الذين يريدون منا أن ننساها، وأنى لنا ذلك، حتى يمكنك أن تستدعي هنا أعداءك المؤبدين، وليلاهم التي لم يزالوا يستدعونها منذ ألفي عام، ثلاث مرات في اليوم، وحلمهم بإعادة بناء «معبدهم!» الثالث، كيف لنا أن ننسى «صلاتهم» القائلة: شلت يميني إن نسيتك يا «أورشاليم»؟؟
وبين رمزية التاريخ، وأحابيله وأساطيره، وظلم الجغرافيا وخيانتها، يبقى «المؤمنون» المتصلون بحبل الود الندي مع السماء، هم الأقوى والأقدر على النهوض من بين الرماد، وإعادة صناعة الحياة بالمواصفات الأولى، حياة تسر الصديق وتغيظ العدا!
-3-
وليس بعيدا عن حبل الود نفسه، يهبط عليك قول الرافعي: الحبُّ بعضُ الإيمان، وكما أنَّ الطريق إلى الجنة من الإيمان بكلِّ قوى النفس؛ فإنَّ الطريق إلى الحبِّ من قوةٍ لا تنقص عن الإيمان إلا قليلاً؛ والخطوة التي تقطع مسافةً قصيرةً إلى القلب، تقطع مسافةً طويلةً إلى السماء!
هو الحب إذًا..
القلب الذي لا يستطيع أن يحب، لا يستطيع أن يجترح معجزة الحياة، لأنه قلب خرب مسكون بالمخاوف والأشباح، وكما الرافعي، يصرخ بنا بابلو نيرودا صرخته الكونية: يموت ببطء، من يتجنب العواطف/ وزوبعتها الانفعالية التي تمنحنا النور في العيون وتصلح القلوب الجريحة. يموت ببطء، من لا يغير المكان، عندما يكون حزينا، في العمل أو في الحب، من لا يركب المخاطر، لتحقيق أحلامه، من، ولو لمرة واحدة في حياته، لا يتهرب من نصائح حساسة!
ونقول: يموت ببطء، من جعل قلبه مستودعا للخوف والضغينة، واليأس، فهذا القلب، يظل نابضا بعضلته اللاإرادية، حتى حينما نخلد للنوم، أو الموت المؤقت، ليحرسنا ونحن نختفي في ملكوت الغياب، كي يعد لنا حينما نصحو مائدة الحياة، لننتقي منها ما يجددها، ويهبها لذة التحدي والوثب على منحدرات الجبال، ونحن نحمل في صدورنا سكينة مريم بنت عمران، وهي تواجه أصعب موقف يمكن أن تواجهه امرأة بتول!.
الدستور