سؤال الإصلاح العربي وأحدب عمان!
حلمي الأسمر
19-04-2007 03:00 AM
عجلة الإصلاح منضبطة الإيقاع مع حل المشكل الفلسطيني، عبارة صح أم خطأ؟ سؤال ظل يراوح دهرا في مكانه، بعض المراقبين حاول القفز عن هذا السؤال فكسرت رقبته، أو قل أخرج قهرا وجبرا من دائرة صنع القرار، السؤال نفسه يكاد يقسم القوم إلى معسكرين: إصلاحيين ومحافظين، كثيرون لا يعترفون بهذا التقسيم، وآخرون يعتبرونه شقا للوحدة الوطنية، لكن السؤال يبقى!شخصيا أشعر بتعب ممض لفرط الحذر الذي يتوجب علي أن أمارسه وأنا أخوض غمار واحد من أخطر البقع (أو المستنقعات!) وأكثرها حساسية في حياتنا، السؤال- المشكل هو مفتاح لكثير من الدوائر المغلقة، هل نعترف أن عجلة التقدم في الأردن في حالة "ربط" بوتد الملف الفلسطيني فعلا، وأن لا أمل يرتجى قبل أن تتلحلح أو تتحلحل قضيتنا غربي النهر؟ هل ثمة أزمة هوية توشك أن تنفجر في وجوهنا كلما طرحنا سؤال الإصلاح؟ ومن قبل ومن بعد: هل نحن أصلا بحاجة لإصلاح؟
بعض من يحلو لهم أن يسموا أنفسهم ممثلين شرعيين وحيدين لما يدعى "قوى الشد العكسي" يزعمون أن الإصلاح في الأردن سائر بوتائر معقولة يحتملها "الجسم الأردني" ولو زيدت جرعات الإصلاح لتسمم المجتمع بترياق التقدم غير المحسوب، تيار صغير داخل أصحاب هذا الرأي يرى أن الإصلاح ترف، وأن ما نحن فيه يكفي وزيارة، وأي مطالبة بزيادة الجرعة محض دلع ودلال لا داعي له، وعلى نقيض هؤلاء يقف من يسمون أنفسهم أو من يسميهم البعض "إصلاحيين" ويرون أن ما تحقق ليس إلا نزرا يسيرا من المرتجى والمطلوب، وهم مستعدون للتحالف مع "الشيطان" لتسريع وتيرة الإصلاح، ولا يهمهم في ذلك أن يدوسوا "ثوابت" وتابوهات ويهدموا حدودا ويحيدوا "حراس بوابات"! بين هؤلاء وأولئك يقف رهط من رواد التنظير، يحملون رؤى فيها كثير من التشدد، مؤداها أن قرار الإصلاح مسيطر عليه تماما وغير مسموح بتركه يتحرك في أيد كثيرة، بل هو في "الحفظ والصون" ولا يقوى على تحريكه غير ثلة قليلة جدا من صناع القرار، وهم يمتلكون القدرة على استشراف المصلحة البعيدة للمجتمع والدولة، لذا يعمدون إلى التحكم بسريان الماء من حنفية الإصلاح وفق إيقاع محدد محكوم باعتبارات دقيقة، لها علاقة بخصوصيات وحسابات خاصة، يعلمها الراسخون في العلم فقط! على هدي من هذه الفرضيات والرؤى، يمكن الخوض في ملف الإصلاح، وهو خوض كما هو واضح محفوف بالمغامرة، وبصراحة أقل، يشبه الكلام فيه ضربا من التنجيم وقراءة الكف، أو الفنجان المقلوب: فيه شعوذة وتجرؤ على ريادة المستقبليات، لكم ما هو مؤكد أننا وفق العبارة الشائعة المهترئة لفرط الاستعمال: نحن أحسن من غيرنا، ووفق عبارة أقل اهتراء: ثمة كثير غيرنا أحسن منا، بصراحة، ضجرنا من هذا الكلام، وضجر منا كلامنا، فإيقاع الزمن لا ينتظر، والقصة مرتبطة أكثر بحجم الرفاه الذي نسعى لتحقيقه لشعبنا، سواء كان يسكن القرى والبوادي أو المخيمات وأطرافها مما نما على هوامشها، هناك مرارة تزداد في الحلوق، وربما تغلقها، أو تتحول إلى قهر، وربما يتعتق هذا النوع من الأحاسيس، فيعبر عن ذاته بطرق خاطئة، لا حل قريبا في الأفق للملف الفلسطيني، بل إنه يزداد تعقيدا مع مرور الأيام، وقدر هذه البلاد أن تلتحم بهم "غربه" وتحتمل منه ما لم يحمله أحد سوى أهل تلك البلاد المحتلة، ولد التوأمان معا، وسيعيشان معا، هكذا قدر لهما، اما قرارات "الفك" و"التركيب" فهي محطات تكتيكية، واحيانا تكون ظاهرة صوتية أو حالة بلاغية، فلا انفكاك بل زيادة بالالتحام، الحركة باتجاه الالتحام أشبه ما تكون بحركة المسافر الذي كلما ابتعد عن نقطة البداية اقترب اكثر من الوصول إليها، فهو يدور على كرة أرضية مستديرة، وكلما أوغل في البعد كان اقرب إلى الوصول إلى نقطة البداية، جرب صناع القرار مختلف الخيارات، ودفع الطرفان ثمن اجتهاداتهم، سلبا وإيجابا، بعض المتطرفين من الجانبين يقولون: حلوا عنا، وليشق كل طرف طريقه لوحده، مرت سنوات طويلة على هذا الخيار، كان عبثا، فالأمن الوطني على جانبي النهر واحد لا يقبل القسمة على اثنين، فك الارتباط غذى نزعة دفينة في نفوس فئات من كلا الطرفين، كانت الحصيلة مرة، الحديث الآن يدور عن شكل ما من أشكال العلاقة، ليكن! وليكن الحديث في هذا الأمر في وضح النهار، ثمة قدر أكبر من الانفصال، فلا من يعيش شرقي النهر يشعر أنه مشبع الحاجة من الإصلاح، ولا من يعيش غربي النهر يشعر بتنفس طبيعي ما دامت رئته الشرقية في حالة عمل جزئي! وبعد؟ هل قلنا كل ما يجب أن يقال؟ الجعبة مليئة، ولكن من يحتمل عبء البوح؟ لقد مللنا كثرة الدوران حول النواة الصلبة للمسألة، دون أن نجرؤ على اختراقها، وأنا –اعترف- اننا طيلة ما مضى من هذا الكلام أدور وألف حول الحمى أوشك أن أقع فيه، مظنة ومخافة زعل هذا أو غضب ذاك، وغضبه باللهجة المصرية الصعيدية "وعر قوي" ولكن ما هو مؤكد ويجب أن يقال أن علينا ان نقول ما لم يُقل بعد، علينا أن نحسم أمرنا ونتحدث بصراحة مرة واحدة، لأن الجدار –مثلا- لم يبق ما يُمكن أن يُتحدث به، كما تآكل الإصلاح هنا، واهتراء هذه المفردة اللعينة!! نريد أن نعيش بما يكفي من حرية كي لا تتحول انحناءات ظهورنا إلى "حدبات" نوتردامية!
al-asmar@maktoob.com